رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

فوضى!


كانت كلمة الفوضى من التعبيرات الدارجة على ألسنة المصريين في أوقات استقرارهم وشيوع السلم الاجتماعى، وكانت تطلق على سبيل التحذير والاستهجان، احتجاجا مبدئيا على قيام أحد بخرق العرف المعمول به في المجتمع، أو إثارة موقف ينطوى على تبجح، فتجد الناس يواجهون صاحبه بالسؤال: إيه فاكرها فوضى؟


صارت كلمة فوضى مشبوهة وسيئة السمعة منذ إطلاق تعبير الفوضى الخلاقة للمجحومة "كونداليزا رايس" وزيرة خارجية "جورج بوش" الابن، بهدف هدم منظومة القيم والنظم السياسية، وترك العشوائية واللانظام يتفاعلان فينجم عن ذلك هيكل حكم جديد ديمقراطى كما كانوا يتخيلون!

لا نتكلم هنا عن مرض لم يصبنا، فلقد ضربنا هذا الفيروس الأمريكي، منذ ما قبل الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، وتوغل وتوحش مع خروج زواحف الأناركيين (الفوضويين الاشتراكيين)، ودعوتهم لهدم الجيش الوطنى المصرى، سحقا لهم ولمن رباهم ولمن سكت عليهم!

خالد يوسف جسد سيناريو الفوضى كاملا في الفيلم الذي مات يوسف شاهين قبل أن يكمله.. تحت عنوان "هي فوضى"، فجسد خالد تلميذه الخروج الجماهيرى العشوائي الفوضوى للهجوم على الأقسام ومراكز الأمن الكبرى! صورة طبق الأصل مما وقع بالفعل!

انزاحت الفوضى الأمنية كثيرا، لكن بقيت الفوضى الاجتماعية.

في تعريف الفوضى أنها فقدان الاتصال والترابط بين مكونات جماعة أو كتلة، بشرية أو فيزيائية، والمقصود بالترابط هو اللغة المتجانسة المفهومة بين الأطراف كافة. في أوقات الفوضى تفقد المصطلحات المتعارف عليها معانيها المستقرة، ويصبح لكل مستخدم معنى يخصه ويحقق مصلحته، ويسعى بالقوة والضجيج إلى فرض مفهومه على غيره من المخالفين ومن المترددين، بل وتجنيدهم في معسكره.

الفوضى غالبا هي نتاج الكوارث الطبيعية أو البشرية. الطبيعية تنتج عن فعل الله في الكون وفي البيئة سبحانه. البشرية تنتج عن فعل الإنسان في الإنسان بالحرب وبالأكاذيب وبالقتل، وبالإفساد. كما تنتج عن فعل الإنسان في أرض الله من تخريب وهدم للتوازن البيئي.

يترتب على الفوضى الناجمة عن البشر أو عن كوارث الزلازل والأعاصير والعواصف والأمواج، تغيرات في السلوك البشرى. التغييرات لم تطرأ على الطبيعة البشرية التي فيها من النزوع إلى الشر أكثر مما فيها من الميل إلى الخير. التربية الأخلاقية والوازع الدينى والرادع الإلهى هي ما يكبح انطلاق عوامل الشر وأدواته ومظاهره وقت السلم ونفاذ قوة القانون.

من أجل ذلك، فإن الذي يتغير مع حلول الفوضى هو السلوك البشرى فتحل الغريزة محل التريث والتدبر ومؤاخذة النفس، أو التخوف من العواقب الجنائية. وقع ذلك بيننا ورأيناه آسفين مشدوهين أثناء أيام ٢٨ و٢٩و ٣٠ يناير وما بعدها...

سلب ونهب وتكسير وتحطيم وخطف وجبروت وتفنن بشع في الجرائم، وظهور ألوان من الجرائم لم يعرفها المصريون، ورمى جثث في المصارف وفي القمامة وعلى عتبات البيوت!

واليوم وقد مرت ٨ سنوات... لم تعد الفوضى سلبا ظاهرا فجا، ولا نهبا جليا، بل اتخذت شكلا آخر هي البلطجة ومقاومة القانون والاستيلاء على الشوارع بأكملها وغلقها واحتلال مداخل البيوت وحجز الأرصفة للمقاهى، والأحياء المسئولة عن الضبط العمرانى شريكة بالسكوت أو بالرشاوى...

آفة المصريين اليوم هي الفوضى، وطالبت في هذا المكان غير مرة بالانضباط، تقوم به الحكومة، وتفرضه على نفسها وموظفيها الذين يملأون الشوارع من الصباح حتى الظهيرة... أو... أو.. أو وغيرها من مظاهر الانفلات الوظيفى وإغاظة المواطنين طالبى الخدمات ومستحقيها.

استهجن الرئيس السيسي الفوضى، وحسبت أن الإشارة وصلت للمسئولين، لكنها لم تصل والظاهر أن البريد ضل طريقه، حسبوها مجرد استهجان لعدم تحصيل حقوق الدولة المادية فوق أراض تم الاستيلاء عليها وإقامة مساجد !

الفوضى هي بالضبط العلة التي ضربت صحة المصريين وأصابتهم بالأمراض.. من شدة الغيظ والكمد: الضغط والسكر والاكتئاب والإحباط والسخط... والغل وأخذ القانون باليد وانتهاك الحرمات.. لا أظن أن هذا الوضع يرضى الحكومة! لا أظن لكنى لست متأكدا؛ اللهم خيب ظنى!

Advertisements
الجريدة الرسمية