رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

إنه بن لادن.. إحباط الشيخ


فجأة انتهى كل شيء، انتصر المجاهدون وانسحب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، وفجأة أيضًا وجد "أسامة بن لادن" نفسه بطلًا يُشار له بالبنان من قبل الجميع، لكن حتى هنا كانت الأمور لم تخرج عن إطار المألوف، آلاف المقاتلون عادوا لبلدانهم وانخرطوا في المجتمع بعد أن شعروا أنهم أدوا مهمتهم أمام الله لكن "أسامة بن لادن" كان استثناء وبشكل غير متوقع.


"عمر بن لادن" في شهادته بكتاب «إنه بن لادن» يقول: «شعرت أن أبي سيرتاح لكنه لدهشتي أصبح أكثر انشغالا من قبل لأنه حصد شهرة عالمية بوصفه بطل حرب السعودية»، هذا الشعور بالبطولة هو الذي استمر مع "بن لادن" الذي كوّن شبكة علاقات وبات له مقاتلين كُثر، لذلك لا غرابة من وجود موقف له حين اجتاحت العراق بقيادة "صدام حسين" الكويت عام 1990، وهنا عاد "أسامة" بعد أشهر قليلة إلى صدارة الحديث بوصفه بطلًا سعوديًا عالميًا.

يقول «عمر» : «أبي يكره "صدام حسين" نظرًا لحكمه الديكتاتوري العلماني على أرض إسلامية ولطالما ازدراه لأنه غير مؤمن، وبلغ قلق والدي بأن "صدام" الذي أثقلته الديون قد يطمع في جاراته الغنية، فبدأ في الكشف عن أفكاره الخاصة واتبع عادة خطرة استخدم فيها المساجد وأشرطة التسجيل لتعميم مشاعره، وقد وزعت على نطاق واسع على السكان السعوديين ما أحدث موجات خفيفة من الامتعاض لدى العائلة المالكة»

ويكمل "عمر" نبوءة أبيه والتي في الحقيقة كان حديثًا متطايرًا كل من له نظر يستطيع رؤيته فليس عبقرية لـ"أسامة": «صحت تحذيرات أبي وبدأ الكلام العراقي يتطاير صوب العاصمة الكويتية والرياض فطالب "صدام" المال وإعفاءه من الديون بسبب حربه مع إيران، ومد الملك فهد يده لجمع الأطراف بمن فيهم "صدام حسين" بلقاء طارئ في جدة يوليو 1990، لكن الاجتماع انتهى بالمزيد من الإهانات بدلًا من الوصول لحلول، وفي تلك الليلة تنبأ والدي أن الحرب وشيكة واجتاح "صدام حسين" الكويت واحتل البلد الصغير بسهولة، وكرر: والدي سيهاجم "صدام" السعودية للاستيلاء على حقول النفط في المحافظة الشرقية»

ويتابع تفاصيل المشهد: «وفي يوم عاد أبي ومعه كمية من الشرائط اللاصقة المتينة وأوعز إلى إخوتي بإلصاقها على نحو متعارض على النوافذ لحمايتها من التحطم في حال قصف "صدام" للمدينة، وتدبر مخزون إضافي من الطعام والشموع وأصبح منزلنا في حالة استنفار، وكان والدي في تلك الأيام وطنيا مخلصا لبلده وملكه، وقد عرف أنه أثار استياء العائلة المالكة بتعليقاته لذا نبه الموظفين في حالة القبض عليه الاستسلام التام»

حالة الهلع التام التي أثبتت خطأها فيما بعد، دفعت ب"أسامة بن لادن" أن يعيش أجواء الحرب لكن رغم نظرته الراديكالية إلى "صدام حسين" باعتباره حاكما علمانيا، كانت نظرته أكثر راديكالية في عام 1990 حين تدفق عناصر من الجيش الأمريكي إلى السعودية، وصحيح أن سعوديين كثيرين شعروا بالإهانة لمرأى جيش غربي بمعظمه من المسيحيين يدافع عن شرفهم، لكنهم أصيبوا بالخيبة مرتين من جراء إدراكهم التام ما يعنيه أن تحميهم أمريكا وغيرها..

فقد فاضت المملكة بالنساء المجندات، ولما وقع نظر والدي للمرة الأولى على المجندات اللواتي تبدوا عليهن المقدرة أصبح أكثر المعارضين جهارا للقرار الملكي بالسماح بدخول الجيوش الغربية أرض المملكة، وشرع يقول نساء يدافعن عن رجال سعوديين لا يمكن إهانة أن تكون أشد سوء»

جزء من غضب "أسامة بن لادن" على الجميع رفض عرضه بأن يُحارب هو طواعية عن السعودية بجنوده المنتشرين في بقاع الأرض، دعوة تذكرنا بما أقدمت عليه الإخوان المسلمين أيام حرب فلسطين، وكما فعلت الدولة المصرية برفض الطلب حتى لا يكون هناك جيش موازي، رفضت المملكة العربية السعودية طلب "بن لادن" فزاد حنقًا على حنق.

ابنه يصف حالته فيقول: «أصبح محبطا إلى حد الإعلان أنه لم يعد يستطيع القبول بالتلوث الذي ادعى إنه يحوم في الهواء من فوق المسلمين، وأفلت سيلا من الانتقادات مهاجما بالكلام العائلة المالكة والأمريكيين والبريطانيين، وأي شخص اعتبر أنه يعمل ضد مصلحة الإسلام، وتحدث في الجامع المحلي وأرسل منشورات وسجل شرائط وكلها تنتقد الحكومة، التي زعم أنها تجعل من السعودية مستعمرة لأمريكا، ومع اتساع نشاط والدي المعارض أخذ استياء العائلة المالكة يزداد، ويبدو أن الانتصار السريع على "صدام" أغضبه أكثر..

الأمر الذي جعلني أعتقد أنه كان يفضل الهزيمة بسيف المسلمين على الانتصار على أيدي الكفار، واشتد هياجه عندما اتضح أن بعض الجنود الأمريكيين سيبقون في السعودية، وكافح أشقاء أبي الأكبر سنا لمنعه من ذلك، لكنه لم يتزحزح عن أفكاره وساد التوتر بيتنا، وبقينا كلنا في جدة، وفي يوم اختفى والدي وأبلغنا أحد موظفيه أنه غادر المملكة في عمل ما، وعرفت أن والدي أقنع أحد الأمراء بالسماح له بمغادرة المملكة لمتابعة أعمال هامة في باكستان، قاطعا أنه سيعود، وانتظرنا عودته عبثا وتم إبلاغ العائلة أن والدنا لن يعود أبدا وبأننا سنغادر أيضا وسنعيش من الآن في أفريقيا»
Advertisements
الجريدة الرسمية