رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية "بدل علاج" رئيس هيئة قضائية سابق


تُعنى الدولة بتوفير الرعاية اللازمة لأعضاء الهيئات القضائية تقديرًا لما يضطلعون به من مهام جِسام، ومسئوليات كبرى، ويحدد القانون طرق تلك الرعاية، ومن بينها الرعاية الصحية والتي تمتد إلى ما بعد اكتمال العطاء بالإحالة للمعاش، إلا أن ذلك له ضوابط وشروط محددة بنصوص القانون وقرارات وزير العدل، ينفذها صندوق الرعاية الصحية لأعضاء الهيئات القضائية بديوان وزارة العدل وفقًا لما يلي:


المادة الأولى من القانون رقم 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية تنص على أن "ينشأ بوزارة العدل صندوق تكون له الشخصية الاعتبارية تخصص له الدولة الموارد اللازمة لتمويل وكفاية الخدمات الصحية والاجتماعية للأعضاء الحاليين والسابقين للهيئات القضائية.

ونفاذًا لذلك أصدر وزير العدل القرار رقم 4853 لسنة 1981 بتنظيم هذا الصندوق وقواعد الإنفاق منه، وتنص المادة الأولى منه على أن "يقوم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية المنشأ بالقانون رقم 36 لسنة 1975 على تقديم الخدمات الصحية وأداء الخدمات الاجتماعية لهم.

وتنص المادة (13) من هذا القرار على أن "ينتفع بنظام الصندوق أعضاء الهيئات القضائية الحاليون والسابقون وأسرهم.. ويقف سريانه بالنسبة للعضو السابق أو أحد أفراد أسرته في الحالات الآتية:

ــ إذا التحق العضو بعمل داخل البلاد يوفر له نظام خدمات صحية.
ــ إذا التحق بأي عمل خارج البلاد.
ــ إذا امتهن مهنة حرة أو تجارية أو غير تجارية داخل البلاد أو خارجها

والقانون رقم 36 لسنة 1975 وإن أنشأ صندوقًا كافلًا الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية التي عنيها ونص على انصرافها إليهم وإلى أسرهم إلا أنه خلا من تحديد نوع تلك الخدمات أو مداها، وعهد إلى وزير العدل بتفصيلها وتحديد ضوابطها مصدرًا في شأنها ما يناسبها من القرارات بعد موافقة المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية، على أن يتم ذلك في حدود الموارد المالية للصندوق، بما يعني أن إنفاذ الخدمات الصحية والاجتماعية التي يقدمها وما يترتب عليها من أعباء يتحملها الصندوق يرتبط دومًا بموارده، فتزيد حيث تتوفر وتقل إذا ما ضاقت تلك الموارد عن استيعابها.

يؤكد ذلك ما نصت عليه المادة الثانية من اللائحة الصحية والاجتماعية الصادرة بقرار وزير العدل رقم 3 لسنة 1977، من أن يحدد مجلس الإدارة في كل سنة مالية نطاق الخدمات الصحية التي يمكن تقديمها خلال السنة، وفي حدود الموارد المالية للصندوق، إذ إن الهدف من تقرير الرعاية الصحية لأعضاء الهيئات القضائية السابقين وأسرهم هو إعانتهم على مواجهة انتقاص دخولهم بدرجة كبيرة بعد إحالتهم إلى التقاعد، والزيادة المستمرة في أجور العلاج لدى الأطباء والمستشفيات وأسعار الدواء.

وإذا زادت موارد العضو المالية نتيجة ممارسته مهنة حرة داخل البلاد أو التحاقه بأي عمل خارجها بما يعينه على مجابهة تكاليف علاجه حال مرضه، انتفت الحكمة من استمرار تمتعه بالرعاية الصحية التي يكفلها صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الجهات الهيئات القضائية السابقين، بحيث تصبح الفئة الأخرى وهي تلك التي لا تزاول أعمالًا داخل البلاد وخارجها أو تمارس مهنة حرة تدر عليهم دخلًا هي الأولى بالرعاية.

هذه حيثيات جاءت عبر حكم صادر عن المحكمة الإدارية العليا في طعن أقامه سامح كمال رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق ضد وزير العدل بصفته رئيس صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الجهات والهيئات القضائية، حيث ذكر شرحًا للطعن أنه كان يعمل بهيئة النيابة الإدارية حتى أصبح رئيسًا لها ثم أحيل للمعاش، والتحق بالأمانة العامة للجان فض المنازعات بوزارة العدل، إلى أن تم قيده بنقابة المحامين فاعتذر عن العمل بتلك اللجان، ثم فوجئ بوقف الصندوق التعامل معه بمنح علاجه هو وأسرته وأوقف صرف مقابل العلاج المقرر له شهريًا.

وقالت المحكمة أن الطاعن كان يشغل وظيفة رئيس هيئة النيابة الإدارية وصدر قرار وزير العدل بإحالته إلى التقاعد لبلوغه السن المقررة لترك الخدمة، وبادر إلى قيد نفسه بنقابة المحامين، فقامت إدارة الصندوق فور تحققها من ذلك بوقف انتفاعه بخدمات الصندوق الصحية، ووقف مقابل الدواء الشهري المقرر له لقيامه بممارسة مهنة المحاماة، ومن ثم ينطبق بشأنه نص المادة (13) من قرار وزير العدل رقم 4853 لسنة 1981 بوقف انتفاعه بخدمات الصندوق ومقابل الدواء لمن يمتهن مهنة حرة عقب إحالته إلى التقاعد في داخل البلاد وفقًا لما قررته الفقرة (ج) من تلك المادة، وبالتالي يكون قرار وقف الخدمات العلاجية التي تقدم له ولأسرته ومقابل الدواء الشهري قائمًا على سببه المبرر له قانونًا ومتفقًا وصحيح حكم القانون.

ونستقي من بين طيات حكم المحكمة العليا أن خدمات الرعاية الصحية مكفولة لأعضاء الجهات والهيئات القضائية ليضمن لهم حياة كريمة لا سيما بعد اكتمال العطاء، إلا أن ذلك مرهون بضوابط وشروط من بينها ألا تتجه إرادته إلى عمل يدل على قدرته على الكسب، ويخرجه من مظلة تلك الرعاية مما يستلزم تطبيق نصوص لائحة الصندوق.. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية