رئيس التحرير
عصام كامل

شعار النهضة المعطل


لم تعد الظاهرة تثير التعجب عندما نجد الكثير من المؤسسات تعلن إفلاسها وبيع ممتلكاتها بسبب سوء الإدارة، وبعد بيعها عندما تصبح في أيدي إداريين ناجحين تعود إلى الإنتاج والتقدم فقد ظل شعار: الرجل المناسب في المكان المناسب الذي يتردد في جنبات المحروسة، ويدغدغ أشواق المؤرقين بفرصة في الحياة خالية من الواسطة والنفاق والشلة، حتى بات هذا الشعار يثير من السخرية أكثر ما يثير من الجدية.


خاصة عندما يسأل بَعضُنَا في بلاهة لماذا يتقدمون ولماذا نتراجع، والسبب ببساطة إنهم ينبهرون بالسيّر الذاتيّة للمرشحين للمناصب القيادية، وساعات العمل الطويلة وقربهم من أصحاب القرار، وليس النوعية والإبداع وما حققه الشخص فعليًا، وما يملكه من مؤهلات نفسية وأخلاقية وثبات انفعالي تحت الضغط، ومبادئ مهنية ومزايا خاصة تجعله قادرًا على تحريك الآخرين وتطوير ما يملكونه لتحقيق الأفضل لمنافسة دول العالم المتقدم، ليبقى الرجل المناسب «سر المعبد» الذي لا يُكشف عنه الستار!

غير أنه لتنفيذ هذا الشعار لا بد من الديمقراطية والانتخابات الحرة عندما يتم اختيار السلطة التشريعية ومجالس الإدارات المحلية ونقابات العمال والفلاحين، بحيث تكون هذه الهيئات على سبيل المثال تحت المراقبة الشعبية ويكونون معرضين للمسائلة القانونية عند ارتكابهم أي خطأ مالي أو إداري، أو عند تجاهلهم قضايا وهموم الأفراد الذين انتخبوهم في هذه الحالة فقط يكون الاختيار صحيح..

وليس شرطا أن نوعية التعليم أو مداه وتشعباته، وعدد اللغات الأجنبية التي يتحدث بها الشخص كفيلة بجعله ناجحًا كقياديّ، ولا سنوات الخدمة ولا سن الشخص، فنسمع أن الشباب هم المستقبل، وهذا صحيح ولكن المستقبل مبني على ماض، وآليات اتخاذ القرارات السليمة، والتي تغطي جميع زوايا وأبعاد أي عمل، لا يمتلكها الشخص بين ليلة وضحاها دون المرور بدورة النمو والترقّي في فن اتخاذ القرار، وتقليل هامش الخطأ من خلال تجارب طويلة..

ولذلك فمن المنطقيّ أن تستفيد الدول ذات التعداد السكاني المتواضع من كل عنصر بشري لديها، وعدم إحالة الكفاءات للتقاعد بسبب وصول تلك العناصر لسن معينة إذا كانت ما تزال قادرة على العطاء، وإن تقاعدت فلا بدّ أن تكون هناك طريقة فعّالة للتواصل معها والاستفادة من خبراتها بصفة استشارية، وتجهيزها كقوة بشرية بديلة في حالات الأزمات والكوارث الكبرى.

وقد فضّل الله عزّ وجل بعض النبيين على بعض كما فضَّل النبيين على غيرهم عن سائر الناس، وقد وجدنا في الصّحابة الكرام من تفوّق في علمٍ على غيره من إخوانه، فقد كان أقرأهم للقرآن "أبيّ بن كعب"، وأكثرهم علمًا بالقضاء "علي بن أبي طالب"، وأعلم خبرة بالمواريث "زيد بن ثابت"، وأعلمهم بالحرام والحلال "معاذ بن جبل"، وأقدرهم على الحفظ "أبو هريرة"، وقال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في شأن أبي ذر: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت السّماء أصدق لهجة من أبي ذر"، ولكنَّه عليه الصّلاة والسَّلام نهى أن يتأمر على اثنين أو يتولى مال يتيم لضعف أهليته الإدارية وكفاءته في ذلك".

والمعيار الذي حدثنا عنه القرآن الكريم هو أولا التقوى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ثم القوة والأمانة بقوله تعالى: "إن خير من استأجرت القوى الأمين"، وقوله تعالى: "أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامكم وإنّي عليه لقوي أمين"، وقول سيّدنا يوسف عليه السلام لعزيز مصر: "واجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
الجريدة الرسمية