رئيس التحرير
عصام كامل

أمخاخ مفخخة.. عكس الاتجاه !


عكس الاتجاه.. هي كلمة السر التي تفسر لنا كل الأخطاء وكل الخطايا التي نعانيها في حياتنا من الوجوه كافة. عكس الاتجاه هي مفتاح فهم التغيرات العنيفة الآخذة بالبنية الاجتماعية والثقافية، وحتى الدينية، والسياسية لمصر حاليا.


ما معنى عكس الاتجاه؟
في البداية لا بد من فهم نقطة أساسية لا ينبغى القياس عليها وهى أن كل التطورات الكبرى في حياة الإنسان كانت جراء فكرة حملها شخص، آمن بها وواجه بها المجتمع. غالبه المجتمع، أو غالبه النبى!

في مقام الرسالات السماوية يغلب الأنبياء دوما لأنهم مكلفون وموعودون بالنصر والمؤازرة من الله. وهكذا غلب الأنبياء وتبعهم ملايين المؤمنين في الأديان الثلاثة، فضلا عن ديانة وضعية منتشرة في الشرق الآسيوي فيها الكثير مما نزلت به الرسالات السماوية. لكن الأنبياء المعززين بقوة السماء لم يلبثوا أن وجدوا من يخرج عليهم في الاتجاه المعاكس.. ليفرض وجهة نظره أو يشكك أو ينازع في النبوة.

خارج نطاق الأنبياء، كان الفلاسفة والمفكرون والمخترعون والأدباء والشعراء، وهؤلاء فيهم من روح الله وإلهامه، فكسروا المألوف وبشروا بمناهج ومدارس في التذوق وفي الرسم وفي النحت وفي الكتابة وفي التفكير.

خروجهم على المألوف هو مشى في الاتجاه المعاكس. ضد التيار السائد، لكنه خروج للتجديد وليس للتجديف. تحت هؤلاء يأتى العوام، وليس في التعبير حط من قدر طبقة أو ناس، لكن المقصود به أنهم ليسوا مميزين بالمواهب العلمية والروحية والفنية والفكرية التي تلقوا ثمارها من طبقة الملهمين والمجددين، وإن تميزوا بمهارات عملية متنوعة تقتضيها حاجات الناس ومنافعهم.

في عصور الانحطاط التي واجهتها مصر، وشعوب عربية وإسلامية، يرتفع صوت الجهل مضادا للعلم وللفكر، يقتحمه، ويجبره على التراجع. لو اقتربنا أكثر من واقعنا المصرى لوجدنا تفسيرا لما نتعذب به من عاهات عقلية ومهنية تعتبر نفسها ملهمة، في غير أوانها.

والحق أن السير عكس الاتجاه ليس فقط أن سيارة اختارت أن تمشى لتواجه أرتالا من السيارات القادمة في مسارها لم تتحسب للعارض المداهم لها، وهذا ما وقع بالفعل أمام معهد الأورام على كورنيش النيل، قبل أيام قليلة ماضية.

كان الثمن فادحا موجعا جدا، خسائر بشرية ومادية وحرائق وموجات ارتدادية وذعر عام وارتباك في المشهد الذي كان آمنا.
أن تمشى سيارة مفخخة أو غير مفخخة عكس الاتجاه، فان الكارثة مادية وبشرية موقوتة بنطاقها. لكن أن يمشى مدعى تراث، ومزور معلومات وناقل قصص صفراء من بطون كتب تعفنت، عكس الاتجاه، ليعلن عن وجوده بقوة، وانه مفكر عصره وأوانه ومفجر التجديد، وصاحب الجرأة على المعقول وعلى المنقول، فهذه أم الكوارث وأم الحرام ذاته.

الخسائر هنا بسب المدعى الافاق الذي يتمرد لمجرد التمرد على الثابت من العقيدة، وعلى شخصيات ترتبت لها مكانات مجللة بالتوقير، ليست موقوتة ولا محددة المكان ولا هي ظاهرة ماديا وفوريا.

أمثال هولاء الراكبون أمخاخ الناس يسوقونهم عكس الاتجاه هم انتهازيون وتجار حقارة وعابثون بالوجدان والعقائد، ليس فقط الدينية، بل والوطنية. يظنون أن التجرؤ والوقاحة وشد الحمالات على الكروش التي زخرت بالعفن من بعد ضمور وعوز، يسببون خسائر فادحة على المدى القريب والبعيد.

اللعب في الوجدان وزعزعته بحجة التمرد وكسر الإشارات وأن لا مقدس إلا العقل.. هذا هو ما نلقاه اليوم في المجتمع.. وهو ثمرة غرس هؤلاء العابثين لقطاء العلم والصحافة.. اعتلوا منصات فمضوا بسماجة منقطعة النظير في ممارستها بثقة الثيران يبشرون باختراق الجدران ولو من عند الله!

هم أخطر من سيارة معهد الأورام المفخخة.. هم نسل مفخخ منتشر الآن كالجراد.. طهروا المنابر الإعلامية والدينية، وهاتوا قوما متوازنين مفكرين حقيقيين لا مدعى علم ولا ناقلى روايات فاسدة ولا محدثى نعمة.
العقل المفخخ لعنة أكبر!
الجريدة الرسمية