رئيس التحرير
عصام كامل

أم في مواجهة ابنتها الحاضن


بينما ثارت الحملات المناهضة للرعاية المشتركة والمعايشة لأطفال الشقاق والداعية لقطع صلات الأرحام؛ ضد حكم القضاء الإداري بإلغاء قرار وزير العدل رقم 1087 لسنة 2000 بشأن تحديد أماكن الرؤية ومواعيدها، كانت الأم المربية الفاضلة "ع" تبكى لما قضت به التشريعات البالية عليها.


السيدة "ع" تخارجت من علاقة زواج بعد ٢٣ سنة وتركت لوالد أبنائها كل شيء؛ وأجبرت على توقيع تنازل عن حقوقها وطفلتين قاصرتين بالمخالفة للقانون، فانتقلت حضانتهما تباعا لابنتها الكبرى شقيقة الطفلتين؛ لتضطر الأم لرفع دعوى رؤية ضد ابنتها الحاضنة؛ وتخشى الآن تنفيذ الحكم لما تلقته من تهديدات حال ظهورها بمركز الرؤية، فوضعت آمالها في الرعاية المشتركة وحلمت بمبيت طفلتيها يومين أسبوعيا معها وسط رفض القانون ومطلقها وابنتها الحاضن.

صارت حياة "ع" جحيما حينما ذهبت إلى مدرسة الصغيرتين لرؤيتهما وعاشت لحظات قاسية أمامهما؛ تتهربان منها بإكراه من الأب والابنة الحاضن؛ تتجمد مشاعرهما تجاهها داخلهما تخشيان البوح بها حتى لا يرصدهما رقيب من المعلمين أو عمال النظافة بالمدرسة؛ فينقل فعلهما إلى الأب أو الشقيقة الكبرى الحاضن؛ فينالهما الأذى.

نفس الحال الذي يعانيه الأب غير الحاضن وأهله تعانيه "ع" لمجرد أنها قررت التخارج من علاقة الزواج مطالبة في الوقت ذاته بمشاركتها في رعاية طفلتيها، لكن القانون لا يعرف سوى قوالب جامدة لنماذج مسيطرة ظاهرة من عينات نساء متحصلات على مكتسبات بالية لا تعترف لأب وأم وطفل بمشاعر وحقوق.

حكم القضاء الإداري تلاشى أزمة تشريعية تثار الآن ولاحقا؛ باعتباره تطبيق المواثيق الدولية المعنية بحقوق الطفل من أعمال السيادة، مع وضوح المادة ٩٣ من الدستور في هذا الخصوص، لكنه رأى أن قرار تحديد وزير العدل أماكن رؤية المحضون وحصرها في أربعة أماكن عامة دون الأماكن الخاصة، مجحفًا بحقوق الطفل ومهدرًا لمصلحته الفضلى.

مشكلات الطفل والرجل والمرأة حقيقة ليست في المكايدة المتبادلة؛ لكن في التشريع القاصر ذاته أولا، والذي تحلو لناشطات ومحامين تجميل تداعياته في انتهاك خصوصية الطفل وأهله داخل أماكن عامة غير مؤهلة لمباشرة علاقة الأبوة والأمومة للأطراف غير الحاضنة.

أمر هام أدركه الحكم؛ أن قرار وزير العدل غير متطابق مع ظروف قرى ونجوع لا تتواجد بها مراكز الرؤية الأربعة المحددة به؛ ولا مراعاة فيه لظروف الطفل الصحية أو العمرية أو أية ظروف تحول دون إنتقاله إلى أي منها، ومع ذلك يتفنن محامون وناشطات في تقديم مقترحات بتحسين وسائل مهيأة للقاءات الآباء والأطفال خلف أسوار تلك البنايات المستباحة، ولو أن أحدهم تزيد في تقديم حل قاطع لكوارث خروج أسر الشقاق منها إلى محاكم الجنايات؛ لاقترح نقل تنفيذ الرؤية إلى أماكن احتجاز تابعة لمصلحة السجون.

القرار الوزاري الذي اغتصب سلطة المشرع بتحديده عدد ساعات للرؤية بالمخالفة لأحكام المادة (170) من الدستور القاضية بأن اللوائح الصادرة لتنفيذ القوانين لا تتضمن تعديلًا لحكم في القانون أو تعطيلًا لمقتضاه، لا تفهم معه سوى إصرار الجهة الإدارية على تعقيد مشكلات أسر الشقاق وتشتيتها بين محاكم للأسرة تصدر أحكامها دون إلزام؛ وصراعات ثأرية تحول أطرافها من أصهار إلى مجرمين.

تحظى تشريعات الأحوال الشخصية في مصر بكثير من الثقوب والعوار بما يكفى للتحايل على الحقوق وإنهاك أصحابها، على أن هناك من يرون في اتصال الصغير بعلاقاته العائلية أكبر ضرر عليه، تخيلوا حجم التضليل والكذب في ادعاءاتهم التي تسمح لهم فضائيات بنشرها!

وإلى حين انتباه المشرع لهذا اللغط المقصود من عدة أطراف؛ يظل مشروع إنقاذ الطفل المصرى معطلا، وتظل شعارات المجالس والمنظمات النسوية معبرة عن مصالح القائمين عليها وحدهم قبل غيرهم، وتبقى الأبوة حلما لملايين الرجال المطلقين المرهونة ممارستها ببقائهم داخل مشروع الزواج المتصدع بفعل التشريعات والتقاليد والعادات.
الجريدة الرسمية