رئيس التحرير
عصام كامل

مرآة البورصة المقعرة !


بينما يحصل الأداء المصري كل يوم على شهادات امتياز من المؤسسات النقدية ومؤسسات التصنيف وبينما ينخفض الدولار أمام الجنيه، ويتم الإشادة بمعدلات التنمية التي تحققها مصر تجد البورصة في وادي ثان، وكأنها تعمل ضد البلد فلم يعد مقبولا الصمت على ما يحدث في البورصة المصرية، والتي كان يفترض فيها أن تترجم وتعكس النشاط الاقتصادي وحركة التنمية الكبيرة التي تقودها مصر..


وإذا كان نظرية البورصة مرآة للاقتصاد صحيحة، ولكن في مصر هذه المرآة مقعرة ومحددة وتعطي صورة مشوهة، وذلك لعدة أسباب أبرزها؛ انخفاض حجم رأس المال السوقى للبورصة، والذي لا يتعدى 14% من الناتج القومى الإجمالى، وهذه نسبة ضئيلة لا تعكس أي أخبار إيجابية للاقتصاد الكلى على البورصة، والتي تأثرت سيولتها بسبب عدة قرارات اتخذت على مدار الفترة الماضية مما أثر سلبًا على أداء البورصة..

وليس منطقيا أن بورصة دولة بحجم مصر تحتل المركز السادس عربيًا، وأن يكون وزنها على المؤشرات العالمية يقترب من الصفر، أو أن تكون قيمة التعاملات اليومية منخفضة إلى 10% من قيمتها سنة 2008 (مقوم بالدولار)، أو أن القيمة السوقية لرأس المال السوقى للبورصة حاليًا لا يتعدى 17% من الناتج القومى الإجمالي، بعد أن كان يساوى 100% سنة 2008، وينخفض عدد المتعاملين النشطين من 300 ألف متعامل نشط إلى 3 آلاف، ولهذا تحقق بعض الأسهم أدنى سعر في تاريخها على الإطلاق..

وربما كانت الأسباب المعروفة للكافة تتمثل في تــدخل إدارة هيئــة ســوق المال في آليات التداول، وإلغاء عمليات تمت بالفعل، وإلغاء عروض، وإلغــاء طلبــات على الاسهم، (وقد حدث وتم إلغاء العمليات على سهم شركة بيلتون لمدة 100 جلسة متصلة)، ثم إيقــاف الأسهم في حالة صعودها فقط، وطلب قيمة عادلة للأسهم، (وهو ما لا يحدث في حالات الهبوط)، مما يعزز الاتجاه الهابط للأسهم..

وقد حدث ذلك في سهم غاز مصر (وهى شركة حكومية)، وسهم شركة القلعة، والأغرب هو الحــديث عن فرض ضرائب دمغة على تعاملات البورصة في الشراء والبيع، وحتى وان كان العميل خاسر في العملية (يخسر ويدفع ضرائب)، وهذا لا يحدث في أي بورصة في العالم، ثم ســوء اســتخدام الســلطة من قبـل الهيئـة، والتـى تعـامل المسـتثمرين والشركات في سوق المال وكــأنهــم مجــرميـن، ويكال لهم اتهامات انتقامية لتزيد الغرامات، وتزيد حصيلة الهيئة، وبالتالى تزيد مكافأتهم..

وهذا واضح من حكم المحكمة في أكثر من قضية تم رفعها على الهيئة، حيث وصفت المحكمة إجراءات الهيئة في حكم لصالح شركة اكيومين لإدارة الصناديق، وآخر لصالح شركة العرفة للاستثمار، بالتعنت في إجــراءات قــيد الشــركـات، فـأحجمت الشركات عن القيد بل لجأت كثير منها للشطب..

(عدد الشركات الآن 200 شركة بعد أن كان 1200 شركة مقيدة في الســوق)، ويظهـر هــذا أيضــًا فـى حكــم تظــلم لصــالــح شـركة حسن علام حيث ألزمت لجنة التظلمات الهيئة بإعادة مبلغ 9 ملايين جنيه إلى الشركة رسوم للقيد، ولهذا كان من الطبيعي أن تفقد البورصة طبيعتها، ويفقد السوق جاذبيته، ويفقد المستثمرون الثقة، ويصبح الســوق هــشا ويحــدث الانهـيـــارات الـتى نراها في السوق..

فالعقل الجمعى في السوق يقوم بمعاقبة المســئولــين علـى قــراراتهـم الخـاطـئة، وذلك بالخروج من البورصة، وبذلك تصبح (البورصة سيئة السـمعة)، وهـذا أثـر علـى برنامج الطروحات الحكومية الذي تم تأجيله أكثر من مرة لمدة سنتين، مما جعــل صــندوق النقـد يعلــق على هذا الإجراء، أو أن تلجأ الحكومة إلى بيع أصول وممتلكات الدولة بأسعار رخيصة جدًا، وهذا إهدار للمال العام..

والأخطر هو أن الاسـتثمار المباشــر وغـير المباشـر لن يأتى بدون وجود بورصة قــوية ونشطة، ثم إن انعــدام الثقــة ســهـل وإعــادة بنائهـا أصعـــب، فمـن فضـلكـم والأمر هكذا فإن حل كثير من المشكلات الراهنة في الاستثمار والتشغيل وإدارة الديون يبدأ بإعادة بناء الثقة في البورصة المصرية.
الجريدة الرسمية