رئيس التحرير
عصام كامل

وهل كانت مصر يوما بلدا غنيا؟


أعجب لمن يتعجبون أن الفقر في ازدياد، فهل هبط الفقر يوما في مصر، ثم هل هبط الغنى يوما في مصر؟ لا الفقر هبط وانهد ولا الغنى نزل وانخفض! لا نتحدث عن حالات فردية وأسماء بعينها بل عن اتجاه.. وبالطبع لا نتمنى هبوط الأغنياء لأنهم موارد لإطعام الفقراء، ولا نتمنى استمرار الفقر خانقا لمعدومي الدخل ومحدودي الدخل ومن كانوا في منطقة وسط بينهما، وهؤلاء تم اسقاطهم بحمد الله في بحر الظلمات حيث الصراخ الجماعى يصم الآذان.


الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء خرج بنتائج إحصائية عن نسبة الفقر وخريطة توزيعه، وقال الجهاز إن الفقر زادت نسبته إلى 32.2 %، وقال إن الصعيد يحتل الصدارة وإن أسيوط أعلى فقرا (66.7 %) من مواطنيها فقراء وإن هناك قرى فيها بلغ الفقر كامل العدد في قرى كثيرة بأكملها!

الجديد في أرقام الصعيد أن أسيوط أزاحت سوهاج من مرتبة الأعلى فقرا، واحتلت مكانتها بقوة، والجديد أن الفقراء زادوا في مصر كلها بنسبة 4.7 %، فسرتها الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط بأنها راجعة إلى تطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي.

القياس الأخير عن الفترة من ٢٠١٧ إلى ٢٠١٨، وكانت نسبة الفقر 27،8% في ٢٠١٦/ ٢٠١٧. يحسب للحكومة أنها هي من أعلن الأرقام وبشفافية بل حددت أعداد القرى الفقيرة بـ 257 قرية بلا موارد ولا شبكات، وهذه كلمة حق وأدها يعد إجحافا.

ولمواجهة هذه الخطيئة الاجتماعية، خصصت الحكومة 13 مليار جنيه لإنعاش 77 قرية هي الأشد فقرا على الإطلاق، أعلنتها وزيرة التضامن الدكتورة "غادة والى" في مناقشات جلسة حياة كريمة ضمن فعاليات مؤتمر الشباب أمس.

تعالوا نتأمل الأرقام والنسب.. لوقع مزيد من الفقراء في حفرة العوز والاحتياج بسبب من تطبيق الإصلاح.. فما بالكم لو لم يقع الإصلاح؟ طبيعى أن الإصلاح وتعويم الجنيه وتوحش الدولار لندرته وتوقف الإنتاج وارتفاع عبء خدمة الديون بالدولار ألقت جميعها بأحجار ثقيلة قصمت ظهور الطبقتين الدنيا والمتوسطة، ولقد نزفت الطبقة الأخيرة ولا تزال تنزف من حيائها ومن كرامتها، وتجاهد للاحتفاظ ببعض ماء الوجه.

لكن الناس يتساءلون: لقد انتهت خطة الإصلاح وتوجت بالنجاح واعتمد صندوق النقد الدولى شهادة النجاح، بل أعلن استعداده للتعاون مع مصر في تنفيذ خطة أخرى، وهو ما افزع الناس، وربما تراه الحكومة أمرا جديرا بالتفكير والنظر! (راجع تصريحات دكتور محمد معيط وزير المالية فلم يقطع بقبول ولا رفض).. فكيف ترتفع معدلات الفقر إلى نسبة 32.2%.. بسبب تنفيذ خطة الإصلاح التي هدفها أساسا منع زحف الفقر وإعادة قاطرة الاقتصاد إلى مسارها الصحيح؟!

جاء الرد عفويا من الرئيس السيسي في مداخلته بمؤتمر الشباب بالعاصمة الإدارية الجديدة. كان الرئيس يتحدث عن مدينة المنصورة الجديدة وان مبانيها تم شراؤها بالكامل ومازح الرئيس الدكتور "مصطفى مدبولى" رئيس الوزراء بقوله: الناس مش فقيرة زى ما الناس فاكرة!

الرد مزاح بالطبع لأن الرئيس يعلم أن الناس فقيرة والذين يشترون في المدن الجديدة قادرون بسبب من سفرهم في الخارج أو بسبب من انهم يستثمرون في العقارات، أو بسبب من ادخارات حبسها أصحابها طويلا من أجل مستقبل العيال. العقارات الاستفزازية تتمدد وتنتشر وسوف تنفجر الفقاعة، لأن الجشع في التسعير يخاطب فئة قليلة قادرة لحد الفحش في الثراء.

وإذا تأملنا أكثر فإن المرء ليتألم لأننا من الجيل الذي فتح عينيه على ثورة في يوليو 1952 وزعت الفقر بالعدل.. أفقرت الغنى وأقنعت الفقر أنه بالمساواة قد اغتنى. ونحن من جيل كان طعامه اليومى كلمة المعاناة.. لم يتوقف السادات عن ترديدها سنوات وسنوات... راجعوا إعلام تلك الفترة، وقت الإعداد لحرب أكتوبر، فنحن جيل المعاناة، نعيش الإمكانيات المتاحة.

شعبنا الطيب الصابر.. تلك مفردات أساسية متكررة في قاموس السادات في خطابه السياسي قبل الحرب والنصر. بعد الحرب والنصر أعلن السادات انفتاح السداح مداح ومن لم يصبح مليونيرا في عهدى فلن يكون... فقفز الطفيليون والسماسرة وتجار الشنطة والتهريب وملأوا البلد سلعا استهلاكية واستفزازية، وصارت بورسعيد نموذجا لسياسة اقتصادية فوضوية!

وجاء مبارك وضبط الانفتاح وفتح الباب للقطاع الخاص ليبنى صناعات ويزاحم القطاع العام الفاشل بحكم التقادم والإهمال والتواكل وعدم المحاسبة والبيع بأسعار اجتماعية وليست حقيقية خضوعا لما تبقى من سياسات اشتراكية!.. وهذا صحيح لكن التجار قفزوا واستولوا على أراض زراعية وصحراوية.. وحصنوا ذلك بعضويات الأعلى للسياسات والنواب، ومنهم من استوزر!

وقلت هذا كله من قبل في وجوههم... لكن هل اختلف الوضع؟ وجوه الأمس هي وجوه اليوم! ومنهم من قتل.. ويبرز للناس بوجه كالح! ولقد ارهق الفساد الحكومى رجال الرقابة الإدارية.. جيل وراء جيل يتطلع إلى الستر.. وليس الغنى.. وأتمنى أن اشهد ارتفاع الدخل لقضاء بقية أيام الشهر مس      تورين.. فقد نجحت خطة الإصلاح..

نعم نجحت.. ولانزال فقراء!
لماذا؟. لأن الغنى والفقر ليس فقط مسئولية من يحكم.. بل أيضا مسئولية المحكوم.

نحن قوم نكذب ونهرج ونسهر للفجر ونتكاثر والشوارع مزدحمة بالموظفين ولا نعمل ونقترض ونبكى ونشكو ونرتشى ونتوقع من الله الجنة ومن الحكومة أن تكف مصلحة الضرائب عنا!
الغنى حلم يحققه العمل.. لا ادعاء العمل!
الجريدة الرسمية