100 سنة غنا !

كثيرون يؤرخون للموسيقي والغناء في مصر، قليلون من يبذلون جهدا كبيرا للحصول على المعلومة، وأقل منهم من يسعون للوصول إلى معلومة جديدة، ونادرون هؤلاء الذين يحللون كل ما يحصلون عليه، ولا يقبلون بدور ساعي البريد..

من بين هؤلاء الأخ والصديق "محمد العسيري" الكاتب الصحفي المرموق الذي قدم للمكتبة العربية العام الماضي كتابا سيستمر أثره ألف عام.. ربما كان الكتاب الوحيد الذي يروي أصل أغنيات كثيرة نغنيها ونرددها ولا نعرف أصلها ولا فصلها ولا أسبابها.. من "عزيز عيني" التي غناها شعبنا البطل ضد الاحتلال البريطاني إلى "قولوا لعين الشمس" التي غناها شعبنا أيضا استنجادا بالسماء لإنقاذ المتهمين المظلومين في قضية "دنشواي" وبالتالي فقد كانت ضد الاحتلال الإنجليزي أيضا!

الكتاب.. غزير المعلومات.. صاغه "العسيري" صياغة فريدة حتى كان له ما أراد، حيث سيجعلك تختتم فصلا لتفتح آخر.. وسيدفعك لتستعجل وتفتش في الفهرس لتصل مباشرة إلى ما تريد أن تعرفه حتى بغير ترتيب.. وسيشعل فضولك لتقلب الكتاب إلى الأمام وإلي الخلف والعكس، اشتياقا لموضوعات استقرت في ذهنك دون أي تفاصيل حقيقية عنها..

العسيري.. يقلب أقلامه.. فتارة يكتب بقلم الصحفي وله به حضور هائل.. وتارة بقلم الشاعر وله به حضور طاغ.. والمستفيد الأساسى من ذلك كله هو القارئ والإصدار نفسه الذي سيبقي طويلا طويلا.. خاصة أنه من ذلك النوع من الكتب الذي يقتنيه العامة مع المتخصصين على السواء.. وهي معادلة ليست سهلة ولم تنجح إلا نادرا!

العسيري -تقريبا- لم يترك أغنية إلا ووضع لها ظلالا سياسية، وظهرت توجهاته بين السطور وأحيانا صريحة علنية في انحياز غالب للناس وللوطن !

" 100 سنة غنا" من أهم ما صدر عن الغناء والموسيقي في مصر خلال ربع قرن على الأقل، لكنه سيبقي-وكما قلنا- اضعاف اضعاف لك..