رئيس التحرير
عصام كامل

جمهورية السعادة


تداولت مواقع التواصل الإجتماعي وعدد من المنصات الإعلامية نبأ عن اتجاه الحكومة لإنشاء وزارة للسعادة على غرار دولة الإمارات العربية الشقيقة، كأول دولة عربية أنشأت حقيبة وزارية جديدة من نوعها بهدف إسعاد مواطنيها، وهو ما نفته مصادر حكومية، مؤكدة أن الحكومة تمارس ذلك فعليا بالعمل على نمو المؤشرات الاقتصادية، وارتفاع النمو، وتقليل معدل البطالة وتراجع التضخم، كما تعمل على توفير السلع الأساسية للمواطنين بأسعار مناسبة وتقديم خدمات طبية وتعليم مميز لهم.


فعليا نعيش في واقع سعيد، ولكن ربما لسبب آخر يبتعد قليلا عن النيات الحكومية تجاه المواطن، فسعادة المصريين الحقيقية تنبع منهم ذاتهم.

الخميس الماضي، وفى لحظات القيظ ومع ارتفاع الحرارة الشديدة، وزيادة حدة الرطوبة في الجو، وتصبب المواطنين عرقا ولهيبا في شوارع القاهرة، وقف مجموعة من الشباب يعتلون تروسيكلا محملا بجراكن عصائر، وبراميل مياه مثلجة، رافعين لافتة كبيرة للمارة تخبرهم أن العصير والمياه مجانا للجميع من أجل مواجهة الحر.

نفس المشهد العام الماضي حينما كان أحد الشباب يستقل قطار الصعيد في أحد أيام أغسطس الملتهبة وصعد ومعه عشرات الزجاجات من المياه المثلجة، يوزعها على الأسر والأطفال والمسنين وكل من يحتاج أن يروي ظمأه في القطار، في مشهد أثار احترام الكثيرين.

مشهد آخر لفت الانتباه، حينما كانت إحدى السيدات تشكو ظروف مرض ابنها داخل إحدى وسائل المواصلات، وكان في طليعة المبادرين إلى مساعدتها بالمال، دون تردد مجموعة من الشباب من دين غير دينها، وهو ما بدا من ملابس السيدة، ومن أحاديث الشباب لبعضهم، ما أثار إعجاب حضور الموقف بهذا التصرف، وبما فعله الشباب رغم شكوك البعض أن هذه السيدة كاذبة والعلم عند الله، لكن إيثار الشباب إعلاء روح الرحمة فوق الشك، رسم تلك اللوحة الإنسانية الجميلة.

حريق داخل إحدى الشقق السكنية، كانت الزوجة وأطفالها محبوسين في بلكون المنزل بالدور الثالث تحاصرهم النيران والأدخنة الكثيفة، وعلى الفور تسلق أحد شباب الحي جدران المنزل، مخاطرا بحياته في سبيل إنقاذ الأسرة إلى أن نجح بالفعل في هذا.

مشهد آخر داخل وسيلة مواصلات عامة، سقط شاب مغشيا عليه، وعلى الفور حمله مجموعة من الركاب المجاورين له، ومددوه على الكراسي، وبين من يسقيه شربة ماء، ومن يمرر فوهة زجاجة عطر على أنفه، نجحت محاولات إفاقته، وأصر ثلاثة من الشباب على النزول معه إلى محطته بعد أن اتصلوا بأسرته هاتفيا لانتظاره.

وما حدث مؤخرًا في موقف مشرف، حينما قام أحد الشباب من مملكة المغرب الشقيقة، وهو ضيف على بطولة كأس الأمم الأفريقية، بتصوير مقطع فيديو يبرز فيه شهامة المصريين معه بعد أن استوقف البعض فى الشارع في ساعات الصباح الأولى، وأبلغهم بفقدان أمواله وأوراقه، وبادر الجميع لمساعدته، بين مرحب له بالمبيت في منزله، وبين من أعطاه النقود، ومن اصطحبه لإطعامه، في مشاهد أثارت الشجون والفرحة.

رغم أي مشاحنات قد تحدث بيننا بين الحين والآخر، وبرغم وجود بعض عديمي الرحمة، وهم قليلون، إلا أن القيمة الثمينة الأصيلة الثابتة والمترسخة، هي سعادة المصريين ببعضهم، بتفشي الرحمة فيما بينهم، بقيم النخوة والشهامة في المواقف الصعبة، بلمعان معدنهم وقت الشدة، السعادة الواقعية للمصريين، هي ابتسامة المعروف، وروح الإحسان، ونجدة الملهوف فيما بينهم، دُمنا دائما لبعضنا البعض سندا وعونا في كل الصعاب والمحن، فعليا لا نحتاج وزارة للسعادة، فنحن السعادة ذاتها.
الجريدة الرسمية