رئيس التحرير
عصام كامل

وتخلينا عن مكارم الأخلاق.. وهذه كانت النتيجة! (2)


سادت أمتنا العالم بما أدته من أدوار تاريخية التزمت قويم الأخلاق، وأثمرت بالعلم والعمل والإيمان رقي وسمو حفظ للإنسان بقاءه، وللأخلاق روحها، ورسم للإنسانية معالم التمدين.. لكن العبر اليوم بالنتائج، وعلينا أن نتساءل: ماذا فعلنا بهذا الإرث الحضاري العظيم الذي ساد الدنيا قرون طويلة.. هل حافظنا على تفوق أجدادنا وعظمتهم، هل أضفنا إليه شيئا من عندنا أم فرطنا في كل شيء وضيعناه؟


أحداث يناير كشفت كل شيء، وأفرزت حالة احتجاج انتهازية في مصر تطلب المزايا دون أن تقدم ما يوازيها من جهد أو عمل.. تطلب الحقوق وتهمل الواجبات.. تهدم كل شيء بدعوى التغيير حتى لو جرنا هذا التغيير-وهو ما حدث بالفعل- لاختلالات غير مسبوقة في منظومة القيم والأخلاق والمثل العليا..

وإلا فبمَ نفسر تزايد وتيرة حوادث السرقة بالإكراه والخطف والاغتصاب وزنا المحارم والقتل والتعدي على الممتلكات العامة وانتشار سيل من البذاءات والسفاهات، والتشهير والتحرش عبر الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي، والتشفي والشماتة حتى في المرض والموت، ناهيك عن هتك الخصوصيات واغتيال السمعة وتشويه الأبرياء.

لقد أشاعت أحداث يناير حالة فوضى وهدم كل شيء، وبدلًا من يكون هؤلاء الثوار أو من أطلقوا على أنفسهم لقب "ثوار" طليعة أخلاقية تهدي العامة إلى الحق والرشد والعدل ومكارم الخلق، كرست للانقسام ودعت للتنابز والجدل والمزايدة وتفجير براكين الغضب والكراهية والتشويه..

وليتها وقفت عند حدود مناهضة الظلم والنضال ضد الفساد والاستبداد والتخلف، بل طفحت بممارسات غير أخلاقية أعلت خصال السلبية والانتهازية والمظهرية والصراع والاستهلاك النهم وافتقاد الحس الوطني والمسئولية السياسية، وهي الآفات التي أصابت قطاعًا عريضًا من الساسة والنخبة وطائفة من الجماهير.

ومازلنا نعاني للأسف من آثار تلك الآفات وندفع ثمنها غاليًا رغم المحاولات الدءوبة من الدولة لإصلاح الأخلاق التي فسدت.. أما الانحطاط الأخلاقي فقد تسببت فيه عوامل عديدة في طليعتها الإعلام بشتى صوره، وشرذمة من شباب الجيل الجديد.. وما كان أحوجهم لغير هذا المسلك تمامًا، وما كان أحوجنا لثورة ضمير وتغيير إيجابي في سلوكياتنا وأخلاقنا بما يقربنا من مجتمع الفضيلة وإصلاح البنية الاجتماعية والاقتصادية، التي اضطرت الدولة معها لاتخاذ إجراءات إصلاحية صعبة كان لا مفر منها رغم أن الجميع تأثر بها وعانى منها.. لكنها كانت ضرورية لإنقاذ اقتصادنا من الإفلاس وإنقاذ بلادنا من مصير مؤلم هوت إليه دول حولنا.

أما اليوم فكلنا –إعلامًا ومؤسسات دينية وتعليمية وثقافية وشبابية– مطالبون بالبحث في علاج تداعيات ما بعد يناير وخصوصًا في بعدها الأخلاقي والاجتماعي لنجيب بعد دراسة علمية مستفيضة عن سؤال مهم: ماذا جرى لأخلاقنا.. وليكن نبراسنا في ذلك قول رسولنا الكريم" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".. فالتغيير سنة كونية لا تتحقق دون إرادة، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..

والتغيير قرار لا يأتي من فوق، وإنما ترسم الطليعة ملامحه لتسير عليه العامة، وصولًا لمجتمع الفضيلة والتكافل والإنتاج والوفرة الاقتصادية.. حفظ الله مصر وأهلها وجيشها وشرطتها.
الجريدة الرسمية