رئيس التحرير
عصام كامل

الحكومة عندها كهربا زيادة!


هناك قرارات كثيرة اتخذتها حكومة الدكتور "مصطفى مدبولي"، لم تكن مفهومة بالنسبة لي من جهة جدواها الاقتصادية أو عدم مراعاة البعد الاجتماعي والإنساني للمواطنين، أو عدم فهم ما تهدف إليه هذه القرارات، ولن أضرب لذلك أمثلة فهي قرارات كثيرة، وقد تناولت بعضها في مقالات سابقة، ولكن الآن أتوقف عند ما تدرسه وزارة الكهرباء من تفكير في بيع بعض محطات الكهرباء لشركات عالمية..


حيث تلقت وزارة الكهرباء والطاقة عروضا لشراء وإدارة عدد من محطات إنتاج الكهرباء من شركات عالمية، فقدمت مجموعة استثمارية أمريكية وأخرى ماليزية عروضا لشراء محطات كهرباء، في مقدمتها محطات "سيمنز" الثلاث بالعاصمة الإدارية الجديدة والبرلس وبني سويف، على أن تقوم وزارة الكهرباء بشراء الطاقة الناتجة عن المحطات وضخها بالشبكة القومية، وفى الوقت نفسه تستمر شركة "سيمنز" الألمانية في تشغيل وصيانة المحطات الثلاث، طبقا للعقد الموقع مع وزارة الكهرباء.

وهنا يتوقف عقلي عن الفهم، فالموضوع ببساطة أن وزارة الكهرباء تدرس بيع المحطات الكهربائية الضخمة التي أنشأتها بمليارات الجنيهات، ثم تشتري الإنتاج من الكهرباء لتعيد بيعه للمواطنين -طبعا بسعر مرتفع بحجة رفع الدعم- فيكون السؤال الأولى المهم إذا لماذا أنشأت الحكومة ممثلة في وزارة الكهرباء من الأصل هذه المحطات؟

فكان من الممكن أن تدعو الشركات العالمية لتنشئ المحطات بنظام المناصفة، أو نظام" بى أو تى " الذي يعد شكلا من أشكال تمويل المشاريع المشتركة بين الحكومة وأحد الاتحادات المالية الخاصة (شركة المشروع)، لتنفيذ مشروع معين لفترة من الزمن، حيث تقوم هذه الشركة ببنائه وتشغيله وإدارته لعدد من السنوات لتسترد تكاليف البناء وتحقق بعض الأرباح من تشغيل المشروع واستغلاله تجاريا، وفى نهاية مدة الامتياز تنتقل ملكيته إلى الحكومة "ولا نتعب نفسنا ونفاصل في أسعار المحطات ولا حاجة".

وطبعا وقت بناء المحطات ذكر الخبراء –الجاهزون دائما بالدفاع عن الحكومة- أن هناك أهمية أن تبني مصر هذه المحطات بنفسها حتى تظل متحكمة في مصادر الطاقة، كما أن بناء هذه المحطات –كما ذكروا– سيعود بالخير على المصريين من خلال الاستثمارات الضخمة، وبناء المصانع والشركات، وهناك ميزة أهم وهي إن مصر ستصدر الطاقة الكهربائية للخارج، وتصبح دولة مصدرة للكهرباء بما يعود عليها بالدخل العظيم من العملة الصعبة.

كل هذا الكلام الجميل جدا "يا اخونا"، وأنجزت مصر بالفعل المحطات في وقت قياسي، وبدأت تصدير الكهرباء، حيث وقعت مصر اتفاقا مع شركة قبرصية لمد كابلات بطول 310 كيلومترات تحت مياه المتوسط لتصدير الكهرباء إلى أوروبا، حسبما أعلنت الوزارة، ووصفت شركة "يوروأفريكا" التي مقرها نيقوسيا الاتفاق المقدرة قيمته بملياري يورو، بأنه "تاريخي" و"واخد بالك من الملياري يورو من دولة واحدة فقط أومال باقي الدول؟!".

وترتبط مصر بمنظومة للربط الكهربائي مع 7 دول عربية وأفريقية أوروبية، تتضمن مشروعات قائمة بين مصر وثلاث دول، في الوقت الذي يجرى التخطيط فيه لتنفيذ 4 مشروعات أخرى جديدة الفترة المقبلة. وتستهدف مصر زيادة صادراتها من الطاقة وتلبية احتياجات الدول المجاورة، نظرًا لوجود فائض يصل لنحو 20 ألف ميجاوات، يعني الحكومة عندها كهرباء زائدة تريد أن تصدرها بالعملة الصعبة، وسيتم تحديد سعر الكهرباء التي يتم تصديرها طبقًا لشروط الأسعار العالمية المعلنة في بورصة الطاقة بلندن وقت التصدير.

إذا نفهم مما سبق إنه لا حاجة لمصر لبيع هذه المحطات خاصة أنها تدر دخلا عاليا من خلال بيع الكهرباء للمواطنين بالسعر الذي تحدده دون مراعاة لأي بعد اجتماعي أو اقتصادي للمواطن، أو تصديرها بالعملة الصعبة، فلماذا أبيع مشروعا مربحا جدا من الممكن أن يساهم في تقليل الدين الخارجي والانتعاش الداخلي؟

هنا تجد الأخوة الخبراء أنفسهم الذين كانوا يؤكدون ضرورة أن تكون المحطات ملك لمصر، هم الذين يقولون حاليا: إن خطوة البيع خطوة جيدة جدا يمكن أن تخفض ديون مصر، وتجلب استثمارات أجنبية مباشرة. وإن طرح الحكومة 3 محطات كهرباء للبيع، يعد خطوة إيجابية لتخفيف الأعباء المالية على الدولة وخفض الدين الخارجي، بالإضافة إلى جذب مستثمر أجنبي في قطاع الكهرباء، وضخ استثمارات جديدة طويلة الأجل، وتخفيف العبء على الدولة لنقل الديون والفوائد والالتزامات إلى الشركات التي تستهدف الشراء!!

يا حكومة.. يا جماعة الخبراء التابعين.. على قدر فهمي البسيط، فإن الدولة عندما تنشئ مشروعا ويكون مربحا بحيث يدر عائدا كبيرا، كما يجعل للدولة مكانة إستراتيجية بفضل التصدير في سلعة حيوية مثل الكهرباء، ومن خلال العائد الكبير تستطيع الدولة أن تسدد جزءا من التزاماتها، وما عليها للخارج والداخل، فلا يمكن أن تفرط الحكومة في هذا المشروع بالبيع أو الإيجار، فلماذا إذا التفكير في بيع المحطات المربحة؟

ونختم بالسؤال الأول لماذا أنشأت الحكومة المحطات إذا وكان من الممكن أن تتعاقد مع شركات تنشئهم بنظام "بى أو تى"؟ يا مثبت العقل والدين.
الجريدة الرسمية