رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مصانع الجلود إنجاز مصري مفتخر!


تعالوا نتفق أن الصناعة هي أساس تقدم الأمم ورفاهية الشعوب، وهذا ليس كلاما نظريا، ولكن تجارب الدول المتقدمة تؤكد ذلك سواء في أوروبا وأمريكا أو شرق آسيا، وحاليا هناك محاولات ناجحة في بعض الدول الأفريقية، فالإنتاج الحقيقي يأتي من التصنيع الذي يحقق قيمة مضافة للناتج القومي، ويوفر فرص العمل ويجلب العملة الصعبة ويضبط الأسعار.


خلال حكم الرئيس السيسي حققت الدولة طفرة كبيرة في البنية الأساسية، وأنفقت عليها أموالا طائلة، ولم يكن ذلك غاية في حد ذاته أو رفاهية بل كان ضرورة ووسيلة لتهيئة مناخ الاستثمار وتحقيق انطلاقة صناعية، بإقامة مشروعات قومية وإنتاجية كبرى تقضي على الفقر والبطالة.. كما أن الحكومة تبذل جهودا متميزة في سبيل إزالة العقبات أمام الصناع، وعلى أجندة رئيس الوزراء أسبوعيا اجتماعات لمناقشة مشكلات الصناعة، أتوقع جني ثمار هذه الجهود قريبا..

ولكن مازالت هناك حلقة مفقودة بين الآمال والطموحات وما يتحقق فعليا على أرض الواقع، وهناك مشكلات تواجه رجال الصناعة، ومن أجل تنظيم الجهود وحتى يكون العمل مؤسسيا كنت أتمنى تشكيل لجنة برئاسة د مصطفى مدبولي تضم المجموعة الوزارية الاقتصادية وبعض رجال الصناعة أنفسهم لأنهم الأعلم بمشاكلهم وحلولها.

وفي السطور التالية سوف أتناول قصة نجاح تتحقق حاليا، رغم المعاناة الشديدة التي واجهت أصحابها، وهو مشروع مهم يشيده القطاع الخاص، وكانت مصر في أشد الحاجة إليه، وهو إنشاء مجمع متكامل للصناعات الجلدية على مساحة 200 ألف متر بمدينة العاشر من رمضان، يتضمن 113 مصنعا ومركزين للتدريب والموضة ومدرسة فنية صناعية.

حيث كنا رواد في صناعة وتصدير الجلود ثم أصبحنا أكبر مُستورد لها، ومن هنا جاءت الفكرة لبعض المستثمرين الوطنيين لإعادة ريادتنا وإنتاج احتياجاتنا، حصلوا على الأرض عام 2009 ولكن بسبب الظروف السياسية تأخر تنفيذ المشروع، وبعد الاستقرار خرج للنور وتم بالفعل تشغيل 25 مصنعا انتاجها حاليا في الأسواق، وبدءوا التصدير إلى الخارج وحصلوا على جائزة الإبداع والابتكار من الاتحاد العربي للجلود التابع لجامعة الدول العربية أيضا تم تخريج أول دفعة من مركز التدريب.

هذا المشروع سوف يوفر 5000 فرصة عمل، وتكلفة الفرصة الواحدة 2 مليون جنيه، أي أن القيمة الاقتصادية له بالمليارات، بالإضافة إلى أنه يعطي إضافة حقيقية للناتج القومي، من خلال تصنيع المواد الخام بدلا من تصديرها بملاليم ثم استيرادها سلعا مصنعة بالدولار.

وحتى ينجح المشروع ويحقق أهدافه يجب منع تهريب الجلود الخام إلى الخارج، فبالإضافة إلى 113 مصنعا لدينا 23 ألف منشأة تعمل في هذا المجال (حذاء، شنطة، حزام، جاكيت وغيرها) توظف نصف مليون عامل، وبسبب تصدير الخام فإن معظم هذه المنشآت قد تُعلن إفلاسها وتُشرد عمالها مع استمرار العجز الشديد في السوق المحلي، حيث نستورد 185 مليون حذاء سنويا ونحو 80% من شنط السيدات والمدارس لأكثر من 21 مليون طالب بمليارات الدولارات، رغم أننا نستطيع إنتاج احتياجاتنا وتصدير الفائض وتوفير العملة الصعبة سواء من زيادة الصادرات أو تقليل الاستيراد.

تهريب الجلود الخام لم يتسبب فقط في تدمير الصناعة الوطنية وغلق مصانعنا وتشريد عمالنا، بل أيضا في ضياع المليارات على خزينة الدولة، لأنها تخرج بطريقة غير شرعية بعيدا عن الجمارك والضرائب، مصر مؤهلة لكي تكون مركزا عالميا في الصناعات الجلدية وتحقيق طفرة هائلة للدخل القومي، لكن بشرط وقف تهريب المواد الخام، وأيضا إعادة دمج غرفة الدباغة مع الجلود فالفصل بينهما أضر بالصناعة.

الدولة نقلت المدابغ إلى الروبيكي في العاشر من رمضان وبجوارها أنشأ المستثمرون مصانعهم، وبالتالي أصبح لدينا تكامل بين المواد الخام والصناعة، لكن كل ذلك مرهون بمنع تهريب الأحذية المستوردة للداخل والمواد الخام للخارج، فمستقبل هذه الصناعة وتطويرها مرتبط بالجلد الطبيعي.

فهل يعقل أن يكون لدينا جلد طبيعي يكفي احتياجاتنا ثم نصدره وتضطر مصانعنا لاستيراد جلد صناعي؟ أليس من حق المواطن المصري ارتداء الجلد الطبيعي بأسعار رخيصة بدلا من الجلد الصناعي المُضر للصحة وبأسعار مرتفعة؟ لماذا نغلق مصانعنا بأيدينا ونشرد عمالنا لصالح مصانع وعمال تركيا والصين؟

إيطاليا كانت أشهر مُصنع ومُصدر للجلود لكن بسبب زيادة أجور العمالة هناك تحاول نقل تكنولوجيا هذه الصناعة إلى مصانعنا في العاشر من رمضان، لكن ثانيا وثالثا وعاشرا كل هذا مرهون بوقف تصدير الجلود خام، وأيضا إنشاء مصنع للبتروكيماويات في مصر، فمن غير المنطقي استيراد أبسط مستلزمات الصناعات الجلدية من الخارج وهي لا تحتاج تكنولوجيا ولا رؤوس أموال كبيرة.

كل التحية والتقدير للقائمين على هذا المشروع المفخرة، الذين تحركوا بشكل فردي ودافع وطني وتحملوا الصعاب وتعرضوا لمشكلات كثيرة من الجهاز الإداري كادت تدمرهم وتقودهم إلى السجون، ولكنهم استطاعوا بعزيمة الرجال تحقيق نجاح باهر وما زالوا في حاجة إلى دعم الدولة ضد مافيا الاستيراد والتهريب وصغار الموظفين الحاقدين والكارهين للنجاح.
وتحيا مصر برجال الصناعة الوطنيين المخلصين.
Advertisements
الجريدة الرسمية