رئيس التحرير
عصام كامل

الحكومة وتربية المواطن المصري "الغلبان"


يبدو أن الحكومة المصرية لا تريد أبدا أن تعتق رقاب الغلابة والفقراء ومحدودي الدخل من مقصلة رفع الدعم المستمرة بصورة غير مسبوقة في التاريخ المصري، بحجة أن الدعم "عيب وحرام" في العصر الحديث، وأن الحكومة الرشيدة صارت تدرك مصلحة الشعب رغم عنه، وأنه يجب أن يُؤدب ماليا حتى يستطيع أن يعيش دون تبذير..


فقد كان هذا الشعب ينفق ببذخ في عهد الحكومات السابقة و"إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ"، فوجب على الحكومة الحالية أن توقف هذا التبذير وذلك الإسراف، فكان محدودي الدخل يبذرون بصورة منقطعة النظير، فتراه يستعمل ثلاثة أجهزة تكيف على الأقل في شقته بدرب التعبان أو عزبة الهجانة أو عزبة أبو حشيش وغيرها من الأماكن، حيث ترى هؤلاء يبذرون طبعا نتيجة دخلهم المرتفع الذي يفوق 1000 جنيه شهريا، فكان لزام على هذه الحكومة أن تعالج ذلك الخلل، وتعيد الأمور لنصابها..

وذلك برفع كافة أوجه الدعم عنهم الذي كان من أسباب التبذير الأساسية، والحياة صارت غالية ويجب على الحكومة الرشيدة أن تعلم المواطنين المبذرين من محدودي الدخل الترشيد، أما بالنسبة للأثرياء فلا حاجة لتعليمهم الترشيد فهم أحرار وراشدون؛ لذلك تعاملهم الدولة بكل لطف و"حنية" فتبيع لهم الطاقة بأسعار مخفضة بحجة دفع الاستثمار للأمام، ولا تحاسبهم ضريبيا إلا كما تحاسب محدودي الدخل..

فلا ضريبة تصاعدية عليهم، ولا تفرض عليهم أي رسوم على استخدامات المياه في حمامات السباحة أو منتجعاتهم، ولا تحاسبهم على كهرباء التكيفات الضخمة إلا كما تحاسب عم "محمد" الطعمجي على اللمبة الموفرة، وتترك لهم الحبل على الغارب في استيراد الكافيار وطعام القطط والكلاب وباقي السلع الخيالية على اعتبار أن هذه من الضرورات "والضرورات تبيح المحظورات"، وليس ذلك خوفا من هؤلاء الأثرياء لا سمح الله، أو لأن الوزارة كلها من الأثرياء فينحازون لبعضهم، ولكن لأن الأثرياء يعرفون مصلحتهم، وأن الفقراء ومحدودي الدخل هم سبب المصائب بتبذيرهم الشنيع.

فكان قرار الحكومة للمرة الرابعة خلال ثلاث سنوات بزيادة أسعار الكهرباء ليتجاوز متوسط الزيادة منذ 2016 حتى الآن 120%، ولتضيف على كاهل المواطن عبئا جديدا إلى ما يعانيه جراء الموجات المتتالية لارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى. والأدهى والأمر أنه وبخلاف الزيادة التي أعلن عنها الوزير مؤخرا، يتبقى ثلاث مراحل في زيادة أسعار الكهرباء..

وطبعا هذه الزيادة ليس السبب وراءها كما يذكر السيد الوزير زيادة الأعباء الناتجة عن تحرير سعر الصرف، وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، ولكن السبب وراءها كما ذكر المتحدث الرسمي للكهرباء هو تنفيذ خطة رفع الدعم ضمن شروط صندوق النقد الدولي؛ أي أن صندوق النقد هو الذي يقف خلف هذه الزيادة، وهو الذي لا يهمه مصالح الغلابة ومحدودي الدخل وإنما يهمه جمع ما دفعه من قرض للحكومة على حساب ذلك الشعب، والغريب أننا لم ننتخب صندوق النقد ليكون ممثلنا في البرلمان أو حكومتنا ليتحكم فينا، وإنما أردنا حكومة رشيدة تراعي مصالح محدودي الدخل كما تتشدق ليل نهار لكن لم يحدث ذلك.

عندما تستمع لوزير الكهرباء تجده يؤكد أن أسعار الطاقة والكهرباء في مصر أرخص من العالم كله، وأنه ينبغي أن نصل بالأسعار إلى السعر العالمي ورفع الدعم ليستمر القطاع في العطاء، "وخرب بيت المواطنين"، والرد على سيادته سنأخذه من دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فنجد أن المواطن الأمريكي الذي يعيش في منزل فخم مكون من طابقين وعدد كبير من غرف النوم، والجلوس، وبمساحة لا تقل عن 600 متر مربع، ناهيك عن استخدام المكيفات في كافة أرجاء المنزل بشكل متواصل يجد فاتورة الشهرية بقيمة 400 دولار، فإذا حولنا هذا الرقم للعملة المصرية سنجده يساوي 6800 جنيه..

أي إن فاتورة هذا المواطن في مصر ستتعدى 7000 جنيه، وهو رقم كبير في مصر، لكن دخل هذا المواطن الأمريكي نحو 20 ألف دولار شهريًا وبالتالي فإن فاتورة الكهرباء لا تمثل أكثر من 2% من أصل الراتب، أما في الحالة المصرية، فإن الوضع معاكس تمامًا، إذ إن فاتورة الكهرباء، وبعد رفع الأسعار، باتت تمثل أكثر من 30% من دخل المصريين. إذا أمريكا أرخص في الكهرباء من مصر وليس صحيحا أن مصر ما زالت هي الأرخص لأن العبرة بدخل المواطن مع تلك الزيادات المهولة.

الجريدة الرسمية