رئيس التحرير
عصام كامل

مصر تعيد اكتشاف ذاتها!


في حياة الفرد، عادة، لحظة إعادة تعريف، أهم ما في هذه اللحظة، اكتشاف القدرات الخاصة للذات، كأنما هي منحة ربانية، تضيء الجوانب المظلمة التي أحدقت بالفرد في هجمة يأس بالغة الشراسة. تعيد الذات اكتشاف نفسها وتنبهر بما توفر لديها من قدر هائل من المقاومة والابتكار وتعدد الأداء في مواجهة تحديات متعارضة. يبهرك أن ترى نفسك قادرا على المبارزة، وعلى قتل الصعاب واحدة بعد الأخرى.


ما ينطبق على الفرد ينطبق على الشعب، لأنه مجموع عادات الأفراد. والشعب المصرى لغز مبهم، لكن أسراره تنفض في حال الأزمة القاصمة. عرف الشعب الأزمات التي تقصم الظهر في مراحل مختلفة، أبرزها في عصرنا الحديث، محنة الهزيمة في الخامس من يونيو عام ١٩٦٧، ومحنة رد الهزيمة، التي حولها إلى انتصار مذهل للعدو وللعالم في حرب رد الأرض والاعتبار في السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣. 

في الحالين كان عدوك محدد الملامح، معروف عنوانه، تخترقه بالمخلصين من رجال المخابرات العامة المصرية، تعرف خططه، تلقي له طعما يبتلعه، ترد الضربة ضربات. راجع تفاصيل عملية "أشرف مروان" وبطولته الفذة وقدرته على كسب ست ساعات، أتاحت للقوات المصرية العبور وإقامة جسور كباري، في العاشر من رمضان، أمس.

لكن أكبر المحن، لحد الكارثة، ما تعرضت له الأمة المصرية تحت عنوان ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، من تهديد قاتل لمعالم الدولة، استهدف القضاء على المؤسسات الثلاثة الرئيسية، الجيش والشرطة والقضاء وتشريد الشعب وتقسيمه إخوانا وغير إخوان، مسلمين وكفارا.

وكان الإعلام خضع وباع وركع !

لم يمض وقت حتى استرد الناس وعيهم وأدركوا أن عصابة اختطفت الوطن باسم الله، والله أعلى وأعظم وأسمى مما يدبرون. في عز لحظات الظلام، أعادت الأمة تعريف نفسها، وعملت بدأب وبرجولة وشجاعة على الحفاظ على الهوية الوطنية الخالصة، بل على استرداد هويتها الدينية السمحة.

وفي كل ذلك يبرز الدور الوطنى العظيم بكل المقاييس للقوات المسلحة المصرية، وللواء، فالفريق، فالمشير، فالرئيس عبد الفتاح السيسي، جنبا إلى جنب البواسل من أبناء الشرطة المصرية، والشجعان من عظماء القضاء المصرى، والاعلاميين المتملصين من كيد مرسي وشركاه.. ليلة خطاب الشرعية والشرعية والشرعية.. ظل يرددها عشرات المرات، وهو يدبر لاعتقال الجميع!

وأمس كان العاشر من رمضان رمزا لأيام المجد، وعزة الرجال، وشهامة المواطنين وبسالة الضباط والجنود، وذكاء التخطيط ودقة وبراعة التنفيذ، والحفاظ على جدول التوقيتات، للمراحل المختلفة من الحرب.

وأمس، العاشر من رمضان، وقبلها بأسبوع برهن المصريون للعالم أنهم امة بناء بقدر ما هم أمة قتال، دفاعا عن الأرض، لا عدوانا ولا طمعا. كوبرى تحيا مصر ومحور ٣٠ يونيو، ومن قبلهما ربط مصر الأفريقية بذراعها الآسيوى، سيناء، عبر ستة أنفاق، وقريبا تخرج إلى النور عشرات أخرى من المشروعات.. كلها دليل جلى على القدرات الخاصة للأمة المصرية. أمة في عز من ظن أنها تموت، تسترد الروح، وتقاتل، وتخبز وتبني وترتفع هامتها.

أعتز بهويتي المصرية وجيش بلادي وأشعر بالفخر وسط غيوم وسحب الظلام تطبق على المنطقة من حولنا، لكن ثقتنا في قيادتنا وحكمة القرار الوطنى ليس لها حدود. النيران على الأبواب.. لكن ذكاء القرار وشجاعته مختبرة سابقا.
الجريدة الرسمية