رئيس التحرير
عصام كامل

التطاولُ على القرآن في شهر القرآن!


إذا مَا خَلا الجَبــانُ بأرضٍ طلبَ الطعنَ وحدَهُ والنِّزالَ، ويبدو أن هذا ما أراده ويريدُه الباحث "إسلام بحيرى"، ورفاقه ممن لا يتوقفون عن الطعن في ثوابت الإسلام والتشكيك فيها، مُستغلينَ تردد البعض في الردِّ عليهم وتفنيد أباطيلهم وكشف أكاذيبهم.


بادئَ ذى بدء، فإنَّ "بحيرى" ورفاقه المغاويرَ لا يأتونَ بما لم تأتِ به الأوائلُ، ولكنهم يُوظفونَ الوسائطَ الإعلاميةَ والإلكترونية لترويج ما قاله المُبطلون من قبله؛ "ليًَّا بألسنتِهم وطعنًا في الدين"، حيثُ يُعيدُونَ إحياءَ الكتبِ التي وضعها أصحابُها قبلَ عشراتِ السنين؛ هدمًا للإسلام، وتشكيكًا في القرآن الكريم.

المُراقبُ لتخرُّصاتِ "بحيري"، منذ ظهوره الأول، وحتى كتابةِ هذه السطور، يُدركُ تمامَ الإدراك، أنه ليس مُجددًا في الإسلام، كما يدَّعي ظلمًا وزورًا وبهتانًا كبيرًا، كما أنه ليس مبتكرًا في الطعن على الإسلام، كما يؤكد الواقع، فكلُّ ما يتقيؤه ويُروجه بحق الإسلام وثوابته، سبقَهُ إليه كثيرون، مُسلمون وغيرُ مُسلمين.

في عام 1979.. قالتْ دراسة بحثية: إن ستينَ ألفَ كتابٍ تمَّ وضعُها للطعن في الإسلام ورسوله والقرآن الكريم. وبعد مرور أربعينَ عامًا على نشر هذه الدراسة، ومع جنون التكنولوجيا، وظهور مواقع التواصل الاجتماعى، وتعددِ الوسائط الإعلامية، يمكنُ ضربُ هذا الرقم المذكور في مائة.

ورغمَ ذلك كله، ظلَّ الإسلامُ صامدًا شامخًا، وغارَ أعداؤه، وماتت سيرتهم، وانطبقَ عليهم قولُ "الأعشى قيس": كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا ليِوُهِنَها فَلَمْ يَضِرْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ.

أجواءُ الترويع التي يصنعُها أصدقاءُ "بحيرى" من خصوم الإسلام وكارهيه بالسليقة، تجعلُ كثيرًا من أهل العلم والاختصاص يتراجعون خطوة أو اثنتين إلى الوراء؛ خوفًا من التشنيع عليهم، وحتى لا يفقدوا مكتسباتهم الدنيوية، لا سيَّما أنَّ التيارَ العلمانىَّ المتطرفَ يسيطرُ بقوةٍ على عديدٍ من وسائل الإعلام: المرئية والمسموعة والمقروءة، وأصبحتْ له كلمة نافذة في السنوات الأخيرة، وأصبحنا نرى من يلتقطُ الصور التذكارية مع "بحيرى" وأقرانه، رغم أنه يستنزلُ عليهم اللعناتِ في الكواليس.

ولمنْ لا يعلمُ.. فإنَّ العلمانىَّ المتطرفَ أشدُّ قُبحًا من الإسلامى المتطرف، وكلاهما يُجسدُ خطرًا داهمًا وشرًا مُستطيرًا على السلام والأمن الاجتماعى، ولا بدَّ من استئصال جذورهما.

أمَّا أحدثُ ما أحياهُ "بحيرى" من أكاذيبَ بحقِّ القرآن الكريم، ما ذكرَه في برنامج "جدل" الذي تذيعه فضائية "تن"، فهو أنه ليس كلُّ ما ذكره اللهُ في قرآنه الكريم من مُعجزاتٍ، قد حدثَ في الواقع، مُشددًا على أن كثيرًا من هذه المعجزات ليسَ أكثرَ من أساطيرَ وخرافاتٍ، وهذا كلامٌ لا يحتاجُ ردًا ولا تكذيبًا، لا سيما أنَّ صاحبه اعتاد الكذبَ، ودأب على التدليس، تعَالى القرآنُ الكريمُ عن كل ذلك عُلوًا كبيرًا.

"بحيرى" لم ينسبْ هذه الفرية إلى مصدرها أو مصادرها الأصلية، بل نسبَها إلى نفسِه الأمَّارة بالسوء، وزادَ على ذلك بأنه سوف ينشرها قريبًا في بحثٍ مطول، وكأنها نتاجُ فكره الخصب، وعبقريته المتفردة، وربما يتمُّ تكريمه يومئذٍ، بمنحه جائزة محلية رفيعة، مثل: "سيد القمنى"، أو جائزة رفيعة دولية على غرار: "نوال السعداوى".

ليسَ "بحيرى" –وحده- من يقتاتُ على ما تركه الأقدمون من أكاذيبَ وأباطيل؛ حيثُ إنَّ التيارَ الذي ينتمى إليه المذكورُ يستبيحُ ذلك ويجد فيه بضاعة رائجة، مُستغلًا جهالة قطاع كبير من القراء من جهةٍ، فضلًا عن تأكده من عدم حجب أي موادَّ مسيئة للإسلام، بغض النظر عما إذا كانت مسروقة أو مُقتبسة بتصرفٍ من جهةٍ ثانيةٍ!!

بكلِّ أسف.. الرقباءُ لا يتدخلونَ لحجب مثل هذه النوعية الرخيصة من الأفكار المُسيئة للإسلام، في الوقت الذي يتمُّ فيه التدخلُ بقوة لحجب موادَّ أخرى، لا علاقة لها بالدين، وإصدار بياناتٍ غاضبةٍ، وقراراتٍ قاسيةٍ قد تصلُ إلى حدِّ الإغلاق وإلغاء التراخيص وتشريد المئات في الشوارع.

يبدو أنَّ غربة الإسلام التي تحدثَ عنها الرسولُ الكريمُ في بعض أحاديثه، تتحققُ، هذه الأيامَ بقوةٍ، ونجاح منقطع النظير، بدليل التمكين لمثل هذا السُّخف من أنْ يترددَ في وسيلة إعلامية مصرية، خلال شهر رمضانَ، ويمرَّ مرورَ الكرام..

وأخيرًا.. يبقى سؤالٌ: هل تخصيصُ برامجَ تليفزيونية وإذاعية وتمريرُ كتاباتٍ مسيئةٍ على هذا النحو غير المسبوق للإسلام، وتحريضُ الشباب على اعتناق أفكار إلحادية، وتحصينُ أصحابها، وتكريمُهم ماديًا ومعنويًا، يندرجُ تحت ما يسمى "تجديد الخطاب الدينى"، الذي يعمل من أجله العاملون، أم أنه يمثلُ اتجاهًا مضادًا لظاهرة التدين، أم أنَّ الأمورَ تمضى خبطَ عشواءَ، لا ضابطَ لها ولا رابطَ؟!!
الجريدة الرسمية