رئيس التحرير
عصام كامل

روعة القبح وملحوظة الرئيس!


لا يشعر الناس بالرائحة الكريهة إن أقاموا فيها عمرهم، إلا إذا دخل عليهم غريب كان بعيدا، أو أجنبي ساقه حظه التعس إلى زيارتهم، فامتلأت رئتاه بالجو العفن والرائحة العطنة، فيدهشهم أنه "قرفان منهم"، ويدهشه أنهم لا يشمون ولا يشعرون، بل لا يميزون بين الهواء المعطر النظيف، والهواء الملوث بالروث والعطن، فيه عاشوا وماتوا مرضا وجهلا.


كذلك من يقيم في الخرائب عمره، لن يميز قطْ الفارق بين ما هو فيه وما يمكن أن يكون أجمل لو غير حياته. ونحن المصريين صرنا نعرف واجهات البيوت بالطوب الأحمر، دون كسوة وطلاء جميل، على امتداد طرق السفر بين المحافظات، وعلى الدائري.

وحين استرعى القبح نظر الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في واجهات بيوت بالإسماعيلية، وهو يفتتح الأنفاق العملاقة التي تربط سيناء بالوطن، وأفريقيا بآسيا، فإنه لم يكتم مشاعره إزاء قبح المنظر، وعلى سوء تشطيب الترع تحت الكوبري، وبالمناسبة هذا متكرر ومألوف في أماكن أخرى كثيرة، ومن ثم عبر عنها رئيس البلاد بلطف مستهجنا أن يهتم المصري بداخل شقته، وأن يصدر القبح للآخرين في واجهات بيته!

لم يقل القبح بالطبع، فالرجل حريص في اختيار ألفاظه.. ويتكلم بذوق.

الذوق هو الفضيلة التي غابت غالبا، والقابض على اللطف والكياسة في هذه الأيام الفجة كالقابض على الجمر. الذوق في الكلام، حروفا وصوتا ومناسبة، والذوق في الملبس، شكلا وعناية ومناسبة، وبالمناسبة ليس مهما أن يكون غاليا، بل المهم أن يكون أنيقا ولائقا على صاحبه وصاحبته. الذوق في الأغاني هبط، والكلمات رخيصة والأداء بلطجي أو كباريهات، والألحان منحطة، إلا ما ندر. يقولون إن هبوط الذوق العام هو ما استدعى الفن الهابط. ويقولون إن الذوق الهابط هو من هبط بالذوق العام. هذه، في حد ذاتها جدلية هابطة!

القبح أيضا هو عدم النظافة، الشخصية، والمنزلية.

نتكلم في بديهيات؟ نعم للأسف! نتكلم في بديهيات عن نظافة الجسد والملبس والرائحة. فترة الريبة المناخية ما بين دخلة الشتاء وخروج الصيف أو دخلة الصيف وخروج الشتاء يقع الجسم البشرى المصري، في "لخمة" الاستحمام أو تأخيره! تلك فترة يعوض فيها الناس "الدش"، يدعونه ويسمونه "الشاور" الآن، بالمعطّرات ومزيلات العرق، فيتضاعف القبح والعطن.

نظافة البيت؟.. نعم، تبذل الزوجة المصرية جهدا ملحوظا في تنظيف بيتها بيديها أو بيدي شغالة، لكن أمام باب الشقة هو مقلب القمامة. وفي منور العمارة تلال قمامة، وفي الشارع المؤدي إلى المنزل، لا يتورع أحد عن رمي "الدبش" والفضلات!

نحن أمة نظيفة، فمن جعلنا نرى القبح أمرا عاديا؟

السفر؟ الغزو الأجنبي؟ السفر يعلم ويعطي ثقافات. الغزو الأجنبي غزوناه بثقافتنا؟ من إذن السبب، أو ما السبب؟ هل الموجودون حاليا نسخة مختلفة من المصريين؟

كلا. ما نحن فيه كسل وعدم محاسبة وغياب آلية ضبط اجتماعي ثقافي تزجر وتنهي وتأمر بالجمال وتفرض شروطه. هذه الآلية سوف تتحقق، إذا اهتمت الدولة بالفن والثقافة اهتمامها بالصحة وبالتعليم، وهذا أمر محمود وفاعل.
كن جميلا ولطيفا وذوقا.

الجريدة الرسمية