رئيس التحرير
عصام كامل

محمود السعدني يكتب: مرحبا بالدنيا من جديد


في مجلة "صباح الخير" عام 1967، كتب الصحفي الساخر "محمود السعدني" «رحل في مثل هذا اليوم 4 مايو عام 2010» مقالا ينعي فيه شبابه الذي ولى، وأصبح على عتبات مرحلة الشيخوخة بدخوله الأربعينيات التي تحمل معها جميع الأمراض، قال فيه: هأنذا الآن على عتبة الشيخوخة، وقد حققت أغلب ما كنت أرجو وأتمنى.


مرحومة أيام الشباب، فقد ولت من بين أصابعي دون أن أدري، مرحوم الكاتب العظيم "كافكا" حين قال: «لقد دُفعت دفعا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الكهولة دون أن أمر بالشباب».

"أتمنى على الله ولا يكتر على الله"، أن يصدر قرار استثنائي بأن يظل بعض الناس الطيبين أحياء إلى آخر الزمان، بشرط أن أكون واحدا منهم.. إن لم يكن هذا في الإمكان، فعلى الأقل أكون آخر من يموت من أصدقائي وأعدائي على السواء.

إذ إننى أخشى أن يحملني الأصدقاء يوما ليقذفوا بي في حفرة، ثم يسهرون في المساء في "بار سيسيل" يرددون نكاتي وقفشاتي ومشاغباتي معهم.

لقد نصحني صديقي "إحسان عبد القدوس" مرة أن أموت في عز شبابي، لأني عندئذ أضمن ألوف المشيعين، ومئات الباكين، وعشرات المقالات، وملايين الكلمات التي يكتبها الأصدقاء عني.

وهى "شورة مهببة" سألت الله ألا يحققها، إذ إنني أتمنى أن أعيش إلى أرذل العمر، ولو أدى الأمر إلى أن أموت دون ضجة، وأدفن دون احتفال، ولا يأتي ذكري في جريدة، ولا ينقش اسمي في كتاب.

إذ مرحبا بالصياعة والضياعة وقلة القيمة وأنا حي أرزق.. وبئس المجد والشهرة وأنا أتمدد جيفة في قبري.

إن "شيالا" في محطة مصر أفضل ألف مرة من ملك ميت في مقابر الحلفاء، و"عبده السمكري" حي أفضل من "عباس العقاد" ميت، وأنا حي خير من أنا ميت، وأنا أعتقد أن كل الناس على شاكلتي لكنهم يدارون ذلك، كلهم يخافون الموت، لكنهم جميعا يجعجعون بأنهم مستعدون للقائه.

وكلما امتد العمر بالإنسان، اشتد حرصه على الحياة واشتد تشبثه بالدنيا، أنا من هنا وإلى التسعين إن شاء الله سأكون أكثر حرصا على صدري من نزلات البرد، وأكثر حكمة في قيادة السيارة، وأقل مجهودا في عملي، وسأنشر من المقالات ما يضمن لي عدم رفتي، لأن الصياعة صعبة في الشيخوخة، وأخيرا سأحاول ألا تضيع من حياتي دقيقة واحدة، إلا فيما أحب وأرضى.
الجريدة الرسمية