رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أحمد حسن الزيات: عيد القلب والروح

فيتو

في مجلة الأزهر عدد رمضان عام 1373 كتب الكاتب أحمد حسن الزيات: "من رجال النهضة الثقافية وصاحب مجلة الرسالة رحل في مثل هذا اليوم 12 مايو عام 1968"، مقالا جاء فيه:


بعد أحد عشر شهرًا قضاها المسلمون في جهاد العيش وصراع المادة، فقاسوا (عانوا) في صيفها صراع الشهوات، وفي خريفها خمود المشاعر، وعانوا في شتائها موت الضمائر.. يأتيهم ربيع الأرواح رمضان؛ فيحيي موات قلوبهم بالبر، ويوقظ روافد نفوسهم بالذكر.. لذلك كان رمضان في الشرع الإلهي طهورًا، وهدية في حرب القوت، وروحًا في مأدبة الكون.

وقد اختص الله رمضان بهذه الميزة على سائر الشهور ليومين من أيامه، كان لهما في تاريخ العالم أرفع الشأن، وفي مصير الإنسان أبلغ الأثر.. يوم السابع عشر من السنة الـ 41 من مولد الرسول وهو يوم القرآن، ويوم السابع عشر من السنة الثانية لهجرته، وهو يوم الفرقان أي يوم التقى الجمعان في بدر.

ورمضان هو التمرين الرياضي للنفس يشترك فيه المسلمون في جميع أقطار الأرض، يصومون في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد، وينصرفون عن اللذات الحسية والنفسية ليتجهوا بالتأمل والتعبد والخشوع إلى الله فيغضوا أبصارهم عن المنكر ويكفوا ألسنتهم عن الفحش، ويصموا آذانهم عن اللغو، ويغلوا أيديهم عن الأذى، ويصدوا أهواءهم عن السوء.

تلك هي العناصر الجوهرية لحقيقة الصوم.. تلك العناصر التي تستدعي المجاهدة ليتعود الإنسان ضبط النفس وقوة الإرادة.

إن الرياضة الروحية هي حكمة الصيام في الأديان كلها، لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون".

على أن للجوعِ أثرًا شديدًا في تصفية النفوس وتلطيف الطباع لأن كدر النفس إنما يكون في الأكثر من كدر الجسد، وقد قالوا إن البطنة تفسد الفطنة.

فرمضان إذن رياضة للنفس بالتجرد، وثقافة للروح بالتأمل، وتوثيق لما وهن في القلب، ونفحة من نفحات السمار، تنعم دنيا المسلمين بنعيم الخلد وأنفاس الملائكة.

ورمضان ثلاثون عيدًا من أعياد القلب والروح، تفيض أيامها بالسرور، وتشرق من لياليها، وتشرق لياليه بالنور، وثقة مجالسها.

ورمضان بعد كل ذلك كله رباط اجتماعي وثيق يؤكد أسباب المودة بين أعضاء الأسرة بالتواصل والتعاطف.

هذه تحية صادقة لشهر رمضان كتبها مؤمن وقرأها مؤمنون، ولا يدرى إلا الله؛ ماذا تدخر مدنية المال، ومأدبة العلم لهذه الروحية.
Advertisements
الجريدة الرسمية