رئيس التحرير
عصام كامل

تعديلات بطعم التفويض.. دواعي الخطر لا تزال ضاغطة


بعد ساعات سيذهب المصريون، من جديد، إلى صناديق الاستفتاء، ليقولوا نعم أو ليقولوا لا، بنسب متفاوتة ترجح الرفض أو ترجح الموافقة، على مجموعة من المواد تم الاتفاق داخل البرلمان على ضرورة تضمينها في دستور عام ٢٠١٤، وعلى مجموعة أخرى من المواد جرى تعديلها، تجميلا وتمريرا أو تغييرا بالكامل!


في كل الأحوال، فإن المصريين غير مكترثين كثيرا بمواد نواب رئيس الجمهورية، وربما يكترثون قليلا بمادة مجلس الشيوخ، أو الغرفة التشريعية الأعلى، ولا حتى بتقليص سلطات رئيس الحكومة التي أطلقتها مجموعة التناقضات التي حملت اسم لجنة الخمسين رأسها عمرو موسى.

وكانت تلك اللجنة أطلقت سلطات رئيس الوزراء على أساس أن النظام في مصر سيكون برلمانيا، يشكل الحكومة الحزب الفائز بأعلى الأصوات.

حسنا.. النظام صار بحكم الظرف الأمني المهدد للمصالح العليا للبلاد مستقرا على قاعدة رئاسية، برهنت على فعالية عالية في ضبط وإدارة أمور البلاد وسط الصخب الشديد من حولنا.

مع الوقت ظهر أن المدة الرئاسية الواحدة، مع طموح سياسي جارف هادف، نحو التعمير داخليا والتأثير خارجيا، ليست بكافية، كما ظهرت حزمة من الضغوط الأمنية، لا مبالغة قط إن قلنا إن مخاطرها المحيطة حاليا بمصر هي الأشد خطرا، منذ الأيام الحالكة السواد بعد ٢٠١٢ ثم ٢٠١٣وما بعدها وحتى ٢٠١٥.

لا أظن أن الشعب المصرى منح صلاحيات كاملة للفريق، وقتها، عبد الفتاح السيسي، لمحاربة الإرهاب المحتمل كما طلب وزير الدفاع، ما لم يكن واثقا في القيادة الرزينة الخبيرة بمجمل التحديات وعواقبها.

لقد طلب السيسي وقتها تفويضا، ولم يتردد أحد في منح الرجل التفويض، فلماذا يتردد البعض، أو يتوجس من تعديلات، تستجيب للظروف الضاغطة ذاتها على أمن البلاد.

انظر شرقا ستجد وكلاء الإخوان من الدواعش وحماس في رفح، وانظر غربا ستجد ليبيا مهبط العائدين من سوريا إلى طرابلس، للهجوم على بنغازى فالحدود الغربية لمصر، ولعل هذا يوضح أحد أسباب التبكير بمعركة طرابلس يقودها الجيش الوطنى الليبي للتخلص من قوافل تهجير وتمكين مطاريد سوريا من قادة وعناصر القاعدة وداعش.

وانظر جنوبا ستجد السودان يمضي بهمة نحو النار، ما بين قبول لإدارة عسكرية مؤقتة وحكومة مدنية مستقلة، وانقسام داخل الجيش، مع محاباة قوات الدعم السريع للثوار! ثوارهم دخل فيهم خليط من تجار الثورات، ومشعلي الحرائق!

النيران إذن تحيط بمصر من الجهات الإستراتيجية الأربع كافة، وهذا ظرف أشد خطرا كما أشرنا، مما مرت به مصر، وبخاصة أن تركيا وقطر قررتا الدخول بثقلهما لسحق انتصارات الجيش الوطنى الليبي بقيادة خليفة حفتر المدعوم مصريا وفرنسيا وسعوديا وإماراتيا.

فليعتبر الرافضون للتعديلات على أساس أنها لا تحقق الحلم في الديمقراطية، وهي بالمناسبة سيدة لعوب قلابة الهوى، أن البلاد بحاجة لتفويض جديد. وهو تفويض مستحق خصوصا وأن الرجل استخدم تفويض الشعب له في جهود شجاعة حثيثة لحماية الشعب.

مصر تواجه، بصراحة احتمالات حرب على الحدود الغربية، واحتمالات حرب شرقي المتوسط دفاعا عن مياهها الإقليمية وثرواتها الهائلة من الغاز، وفي وضع حرج كهذا ينبغي تجديد التفويض من خلال قبول الاستفتاء.

نعم التعديلات منحت الرئيس عامين على فترته الحالية، وفتحت له حق الترشح لست سنوات تالية، لكنها لم تفتح المدد لمن يأتي بعده، لأنها ستكون تلك المرة الثانية وأخيرة.

سيذهب الناس إلى صناديق الاستفتاء، وسيقولون رأيهم، في ضوء الحريق الكبير على حدودنا الأربعة.. الحكمة تقول: وقت الخطر لا يجوز الرقص على الألغام. دواعي التعديل الحالية هي ذاتها دواعي التفويض السابقة.
الجريدة الرسمية