رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مذكرات الفاجومي.. "نجم شاعرًا"


الحياة مليئة بالتناقضات، نعم، فمن يصدِّق أن شاعر المعارضة الأول والذي عرف «أقلام المخبرين» يدين بالفضل لمأمور سجن أرميدان ومديره، فقد كانَا سببًا في أن يكون شاعرًا، تلك كانت ولادة «نجم» الشاعرية، والتي تدل أيضًا على أن ضابطًا مثقفًا أفضل 100 مرة من فرقة عسكرية جاهلة.


الطريق إلى أول ديوان شعري يقول نجم عنه « في الأيام ديه بالسجن كنت بكتب قصايد ديواني الأول "صور من الحياة والسجن"، ومن حسن حظي أن يكون اللواء "إبراهيم عزت"، في هذه الفترة، هو مدير سجن أرميدان، والرائد "سمير قلادة" هو المأمور، الاتنين دول هما اللي شجعوني وكانوا بيعملوا لي ندوات شعرية في مسرح السجن، وينشروا لي في مجلة السجن اللي فزت بجايزتها في عيد الأم بقصيدة "بحر الحنان"، وكانت الجايزة جنيه، وحرضني الرائد "سمير قلادة" على دخول مسابقة الكتاب الأول، وجاب لي الورق على حسابه ونسخ لي القصايد على المكنة، وبعتّها بمعرفته إلى مجلس الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وكان "سمير قلادة" شديد الشبه بـ"جمال عبد الناصر"»

ويضيف الفاجومي « كانت نهاية فترة العقوبة توافق الجمعة 11 مايو 1962، ليلتها مجاليش نوم، أخرج من السجن أرُوح فين ويا ريتني أعرف أسرق وأرجع السجن تاني، والساعة 7 الصبح فوجئنا بالمفتاح في باب العنبر وتصورنا تفتيش، ووقفنا بسرعة وإذ باللواء "إبراهيم عزت" ووراه "سمير قلادة" وقال لي: مبروك. قلت له: الله يبارك فيك. قال لي: انت عرفت. قلت له: أيوا، ما إفراجي النهاردة. قال لي: أنا مبتكلمش عن الإفراج، انت قريت أهرام النهاردة، وقدم لي ملحق الأهرام، ولقيته معلم على خبر في الصفحة الأدبية..

"قررت لجنة الشعر بمجلس الفنون نشر ديوان "صور من الحياة والسجن" للشاعر أحمد فؤاد نجم بعد فوزه في مسابقة الكتاب الأول". بعد كده أنا ما شفتش حاجة لكن سمعت صوت سمير بيقول لي: أنت دلوقت حطيت رجلك على أول الطريق. ويوم ما استلمت عشر نسخ من ديواني طلعت من مجلس الفنون زي المجنون» ولعل أمثلة قليلة جدًا ما تثبت أن السجن تهذيب وإصلاح فعلًا.

« ركبت التروللي قعد جنبي واحد أفندي قلت له: ده ديواني الأول. الراجل طلع ظريف، وقال لي: ممكن اشتري نسخة. قلت له: ممكن تقبله هدية مني. وقال لي: يسعدني أني اكون أول قاريء ليك، وتأكد اني حفضل ادور على اسمك، كل ما تصدر كتاب ححتفل بيه معاك. وعرفت من "حسن السباعي"، الموظف بمجلس الفنون، أن الدكتورة "سهير القلماوي" هي اللي كتبت لي مقدمة الديوان، وإنها عاوزة تشوفني. طبعا ما كانتش تعرف إني مسجون، وخدت عنوانها ورحت لها البيت فاستقبلتني بترحاب، وشرحت لها موقفي فكتبت جواب لـ"يوسف السباعي"، سكرتير عام مجلس الفنون»

ولـ"يوسف السباعي" حكايات أكثر مع "أحمد فؤاد نجم" الذي بدأ يتعرف على عالم الكتّاب، ومن الزنازين إلى مجلس الفنون لمقابلة "يوسف السباعي" جلس الفاجومي فيقول « حصل لي ذهول من كم وحلاوة النسوان اللي هناك، وسلمت الجواب وانسحبت بهدوء، وفي الإذاعة وعلى مكتب الإذاعي "طاهر أبو زيد" تركت كراسة فيها أشعار وورقة فيها اسمي وموضوعي، وروحت وما فيش يومين عديت على مجلس الفنون ففوجئت بمدير المكتب قايم من على مكتبه ومحدوف ناحيتي، فبدأت استعد للجري مش يمكن وانا خارج عملت مصيبة المرة اللي فاتت، وإذا به بياخدني بالحضن وبيقول: أهلا بالشاعر العظيم، اتفضل سيادتك. وقال لي: قهوتك ايه. قلت له بمنتهى البساطة: سادة. فقال لي: كل العباقرة بيشربوها سادة. وبعدين قال لي بعتاب رقيق: طب يا استاذنا مش اللي يجيب ورقة ليوسف بيه يستنى يشوف النتيجة. فقلت له بتأفف: هف.. مشاغل يا عزيزي. فقال لي: ربنا يكون في العون، حنقرا حاجة جديدة؟  قلت له: ربنا يسهل»

«بالليل قابلت "يوسف السباعي" في نادي القصة، وبعد محاضرة منه عن إن الخير لازم ينتصر، وإن الجريمة لا تفيد، وبعدين سألني انت مؤهلاتك إيه؟ حاولت أضرب في العالي فمفتكرتش غير بكالوريوس طب، لكن لقيتها حتبقى واسعة، فقلت له توجيهية فقال لي: طيب، أنا حعيِّنك في منظمة التضامن بمرتب 12 جنيه..

ودول يجيبوا عيش حاف، وانت بقى وشطارتك في الغموس، يومين كده وروحت الإذاعة ففوجئت بالأستاذ "طاهر أبو زيد" بيكرر معايا نفس اللي عمله مدير مكتب "يوسف السباعي"، وازّاي يا راجل ما تستنّاش لما أرجع من التسجيل، ولقيتني بقول بلا أي داعي: أووه يا عزيزي طاهر أرجوك ماتحرجنيش، والراجل سهم شوية بعدين قال لي: إن شاء الله موعدنا الخميس الساعة 12 في مسرح الهوسابير، علشان أسجل معاك حلقة من برنامج "جرب حظك"»

وبعيدًا عن تلك الحفلة، فقدرُ "أحمد فؤاد نجم" كان ينتظره في مصلحة السياحة حين ذهب لابن عمه، وهناك وجد "سعد الموجي" الذي تعرف عليه، وأخبره الأخير بضرورة القدوم لـ"حوش آدم" حيث "الشيخ إمام"، يقول «نجم»: "أنا مش فاهم لغاية دلوقتي انا ليه رحت في ميعادي ووصلنا".

الحلقة المقبلة.. "أنا وإمام"
Advertisements
الجريدة الرسمية