رئيس التحرير
عصام كامل

"صفقة القرن" بين الأخذ والرد


استغلت الإدارة الأمريكية انشغال الشارع العربي بالأحداث الملتهبة، بين حرب في ليبيا يقودها المشير خليفة حفتر ضد التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا وقطر وتحظى بحماية حكومة الوفاق في طرابلس، وبين إصرار الشارع الجزائري على التخلص من جميع "الباءات" التي تولت مناصبها الرفيعة في عهد الرئيس السابق بوتفليقة.


ومثلما نجح الاحتجاج السلمي في إنهاء عهدة الرئيس، فالبقاء في الشارع والإضراب كفيل بإزاحة "الباءات"، وكان أن استقال أمس رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، ما أغرى الشعب باستمرار الضغط لإزاحة بقية "الباءات".

وهناك ثورة السودان السلمية التي توجها الجيش باقتلاع نظام "الإخواني" عمر البشير بعد 30 عاما من الحكم، وبين كل هذا تسعى الولايات المتحدة ومعها إسرائيل لمزيد من القلاقل في الشارع العربي، حتى لا يكون هناك فرصة للتفكير فيما تدبره ولمساتها التي تضعها على "صفقة القرن" لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي!.

لذا حركت قادة حزب "الشراكة والإنقاذ"، الذي تشكل أخيرا في الأردن من قيادات إخوانية سابقة وعدد من المستقلين ويترأسه المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، فأصدر بيانا تهديديا للمملكة، ردا على رفض الملك عبدالله الثاني "صفقة القرن" وإصراره على حل الدولتين، وعدم تنازله عن وصاية الأردن على المقدسات الإسلامية في القدس.

جاء في بيان الحزب الإخواني "إن الأردن ليس بمنأى عن التحرّك الشعبي الواسع، الذي يضع الشعب في مواجهة النظام.. لا خصوصية تجعل الأردن منيعًا على التحرّك الشعبي الواسع، ولا حصانة لأي بلد، ما لم يبادر إلى إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي يجعل الشعب سيد السُّلطة، فيتشارك الجميع الغُنم والغُرم"..

لم يأبه ملك الأردن بتهديد الإخوان، وأكد في بيان أمس "أن بلده لن ترضخ لأي ضغط يمارس عليها بسبب مواقفها من القضية الفلسطينية والقدس. وليس أمامنا إلا حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".

كما استغلت تركيا وقطر زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لواشنطن، وأعادتا ترويج إقامة "دولة فلسطينية في غزة وأجزاء من سيناء المصرية على أن تتمدد إسرائيل في بقية الأراضي المحتلة باعتبار أنها جزء من صفقة القرن".

وهو ما نفاه مسئول مصري لصحيفة "الحياة اللندنية"، مؤكدا أن الزيارة لم تتناول صفقة القرن، التي لم تنته منها الولايات المتحدة ولا نعلم محتواها، وأن خطة السلام الأمريكية لا يمكن أن تتضمن مثل هذا الطرح، فهم يعلمون أن هذه السيناريوهات لن يقبلها أحد، وما يتردد مجرد تصور واجتهادات تصدر عن مراكز الدراسات والأبحاث ويتم ترويجها عبر الإعلام".

لكن أمس أيضا نشرت صحيفتا "واشنطن بوست" و"واشنطن تايمز" اجتهادات عن "صفقة القرن"، تضمنت أن "هناك دولة فلسطينية في منطقتي (أ) و(ب) في الضفة الغربية، وأجزاء من (ج) فقط، مع عاصمة قرب القدس وليس فيها، بما يشكل نحو 90 في المائة من الضفة الغربية على أن يكون الحكم ذاتيا وليس سيادة كاملة، وأن واشنطن تنوي تخصيص حزمة مساعدات اقتصادية ضخمة تصل إلى 40 مليار دولار، أي نحو 25000 دولار لكل فلسطيني مقيم في الضفة الغربية. مع إمكانية وصول مؤقت إلى بعض المنافذ البحرية والمطارات الإسرائيلية، إلى أن تبني الصناديق الأجنبية منشآت تابعة للسلطة يستخدمها الفلسطينيين فيما بعد".

أما الجزء الأهم في الصفقة فيتلخص في اعتراف جميع الدول العربية بدولة إسرائيل على أن تعترف إسرائيل بالمقابل بدولة فلسطين.

مع زيادة الحديث عن خطة السلام، جدد الاتحاد الأوروبي أمس التأكيد أنه لن يعترف "أبدا" بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة. وقالت مفوضة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني"، خلال جلسة البرلمان الأوروبي بشأن قضايا السياسة الخارجية: "موقف الاتحاد الأوروبي بسيط وواضح بالنسبة لاعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، الاتحاد الأوروبي لم ولن يعترف بسيادة إسرائيل على أي أرض احتلتها، وهذا ينطبق أيضا على مرتفعات الجولان.. حاليا هناك خمس دول من الاتحاد الأوروبي يجتمعون في مجلس الأمن في نيويورك، قد أعربت عن موقفنا من مرتفعات الجولان في بيان مشترك".

وأدانت "موغيريني" سياسة توسع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية: "هذه سياسة غير قانونية ومخالفة للمعايير الدولية.. الاتحاد الأوروبي يعتبر أن السلام في الشرق الأوسط يجب أن يستند إلى حل سلمي للنزاع على أساس مبدأ الدولتين - إسرائيل وفلسطين وعاصمتها في القدس".

بين الأخذ والرد ورفض أطراف كثيرة تسريبات الصفقة، غرد المبعوث الأمريكي للمفاوضات الدولية "جيسون غرينبلات"، عبر تويتر مساء "أن الإدارة الأمريكية لن تورد في الوقت الحاضر تفاصيل خطتها للسلام في الشرق الأوسط، المعروفة بصفقة القرن.. أن ما يتم تداوله من تكهن حول الصفقة لا ينفع أحد، بل أنه يضر جهود تحقيق السلام".

وبما أن أمريكا لن تعلن خطتها الآن، لماذا لا يستغل الفرقاء الفلسطينيون الفرصة لتوحيد كلمتهم وإنهاء الخصومة حتى يستطيعوا مواجهة من يريد تصفية قضيتهم؟!
الجريدة الرسمية