رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

تحليل: إصلاح اقتصادي وإفلاس مؤجلان حتى إشعار آخر في لبنان

فيتو

رغم ضجيج تصريحات سعد الحريري وأعضاء حكومته عن أولوية الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد، تبدو قدرتهم على القيام بخطوات عملية محدودة. ما هي القيود التي تكبل طموحاتهم ولماذا يريد أصحاب النفوذ بقاء الوضع على ما هو عليه؟ وكأنّ لبنان ليس لديه ما يكفيه من المشكلات الاقتصادية حتى يأتيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعقوبات اقتصادية على حزب الله الموالي لإيران والمشارك في حكومة سعد الحريري المحسوب على الغرب والسعودية. وتكمن مشكلة هذه العقوبات في كونها تطال أيضًا المصارف اللبنانية التي تشكل هبة الاقتصاد اللبناني وتحميه من الانهيار.

ويبدو أن هذه المشكلة الكبيرة دعت الرئيس ميشال عون إلى استباق وصول وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو إلى بيروت للتأكيد على أن هذه العقوبات المفروضة منذ 2016 تضر كل لبنان، لأنها تجعل اللبنانيين والمستثمرين خائفين ومترددين من التعامل مع المصارف بسبب خوفهم من احتمال خضوعها لعقوبات أمريكية بحجة تعاملها مع أشخاص مقربين أو محسوبين على حزب الله.

وقال الرئيس عون في تصريحه لوسائل الإعلام: "إن كل مصرف لبناني لديه في الوقت الحالي توجس من التعامل مع أي مودع خوفًا من أن لديه علاقة مع حزب الله.. وهذا الخوف لا يبني اقتصادًا ولا علاقات تجارية سليمة".

معضلات بنيوية ورحلات مكوكية
وفي الوقت الذي تستمر فيه أجواء الخوف، التي لم يقم بومبيو بتبديدها بعد لقائه أرفع المسؤولين اللبنانيين أواخر هذا الأسبوع في بيروت، تكرر فيه الحكومة اللبنانية ممثلة برئيسها سعد الحريري عزمها على محاربة داء الفساد المستشري في جسم المؤسسات الحكومية والقيام بإصلاحات اقتصادية جريئة ومؤلمة تطالب بها المؤسسات والدول المانحة، وقررت هذه الأخيرة في أبريل 2018 خلال مؤتمر "سيدر" الباريسي تقديم نحو 10 مليارات دولار على شكل قروض ومساعدات لدعم الاقتصاد اللبناني بعد البدء بخطوات عملية لمحاربة الفساد وإصلاح قطاع الكهرباء وحل مشكلة النفايات والمياه الملوثة، إضافة إلى تقليص عجز الموازنة الحكومية.

وما تزال هذه الأموال مجمدة حتى الآن، لأن الخطوات المذكورة لم تدخل حيز التنفيذ حتى الساعة. ويزيد الطين بلة أن الحكومة اللبنانية لا يمكنها القيام بخطوات كهذه دون تقديم هذه الأموال بسبب قلة مواردها المالية التي يذهب نصفها لخدمة جبل الدين العام الذي يشكل أكثر من 150 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر في عام 2018 بنحو 54 مليار دولار حسب "المؤسسة الألمانية للتجارة والاستثمار".

ويزيد الوضع تأزمًا تبعات الأزمة السورية التي أدت إلى تدني معدلات النمو في لبنان. كما شكل استقبال نحو مليون لاجئ سوري ضغطًا كبيرًا على الخدمات العامة والبنية التحتية المتهالكة أصلًا.

ومع تقلص فرص الحصول على الدعم الدولي الذي كان سخيًا في الماضي، لا يفوت الرئيس سعد الحريري مناسبة للحديث عن خطوات جدية لمحاربة الفساد وأخرى لتحديث البنية التحتية المتهالكة عن طريق ما يسميه "قانون شراكة بين القطاعين العام والخاص يدعمه اتفاق وطني لضرورة الاستثمار".وفي هذا الإطار يتحرك الحريري هذه الأيام كالمكوك الطائر متنقلًا بين المدن والعواصم من دبي إلى واشنطن مرورًا بالرياض وباريس من أجل حشد الدعم الخارجي لإصلاحاته المؤجلة منذ عقود. لكن السؤال هل يفلح هذه المرة في تمريرها؟

الفساد جزء من منظومة السياسة
على ضوء المعطيات المتوفرة وتجربة السنوات الماضية من الصعب إعطاء إجابة متفائلة على السؤال السابق. فيما يتعلق بالفساد تذهب تقارير ومتابعون إلى أنه استفحل وتحوّل إلى وحش ينهش جسد الدولة اللبنانية في عهد حكومات الحريري، التي كانت لعائلته وشركاته منها فوائد وعوائد كبيرة.

ويجد ذلك الاستفحال تربته الخصبة في النظام السياسي اللبناني القائم على المحسوبية والمحاصصة الاقتصادية والطائفية. وفي هذا الإطار يقوم أفراد النخبة السياسية التي تتوارث الحكم على شكل إقطاعيات سياسية بتولي إدارة مؤسسات الدولة لخدمة مصالحها المحلية والطائفية بالدرجة الأولى. وهو الأمر الذي يعكس حالة الخدمات والمرافق العامة السيئة، في حين يعتمد الكثير من اللبنانيين على زعمائهم المحليين للحصول على بعضها.

أما فرصة إقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل الاستثمار المشترك في البنية التحتية والطاقة فأمر قد ينجح في إقامة هذا المشروع الصغير أو المتوسط في مجال الطرق أو ذاك في مجال الطاقة. أما في المشاريع الأخرى الكبيرة التي تكلف المليارات من الدولارات فمن الصعب إقناع القطاع الخاص بالعمل فيها، لأنها تحتاج في العادة إلى 20 سنة حتى يتم استرداد رأسمالها وتكاليف إنشائها.

ومن المعروف أن هذا القطاع يميل إلى مشاريع تحقق الربح السريع ولا تقوم على المخاطر المتعددة. والمقصود هنا ليس المخاطرة بالمال فقط، بل أيضا تلك الناجمة عن ضعف الاستقرار السياسي في بلد تحيط به الحروب والأزمات.

هل سيناريو الإفلاس وارد بالفعل؟

إن نظرة عامة على الاقتصاد اللبناني اليوم تعطي صورة قاتمة عن واقعه وآفاقه، وحسب تقرير للبنك الدولي يعاني هذا الاقتصاد من مشكلات بنيوية ليس حلها مرتبط بحل الأزمة السورية مع أن الأخيرة زادت من حدتها. ويعكس هذه المشكلات عجز في الميزان التجاري وخدمة دين سنوية تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار.

وهناك انكماش في معدلات النمو التي تراوحت بين 1 إلى أقل من 2 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية. ويزيد الطين بلة تراجع تحويلات المغتربين والمساعدات السعودية والخليجية التي كانت سخية في فترات سابقة، وتدفع هذه المشكلات الكثيرين إلى التحذير من خطر الإفلاس، لأن الحكومة تبدو عاجزة عن القيام بالإصلاحات وتوفير الدعم الخارجي.

لكن السؤال، هل سيناريو الإفلاس وارد بالفعل؟ خلال العقدين الماضيين وقف لبنان أكثر من مرة على حافة الإفلاس الاقتصادي، غير أن مؤتمرات باريس ومساعدات وقروض دول الخليج منعت ذلك.

ومن المرجح أن مثل هذا الدعم الذي تأخر هذه المرة لممارسة الضغوط السياسية ودفع خطوات الإصلاح، سيمنع مجددًا حدوث انهيار اقتصادي في بلد ما يزال يقترض ليدفع خدمة ديونه بانتظام.

وتحرص القوى الإقليمية والدولية التي تتقاسم النفوذ في لبنان الحرص على استمرار الوضع اللبناني على ما هو عليه منذ عقود في إطار نظام سياسي طائفي يخدم مصالح هذه القوى. ويمكن لعملية الإنقاذ الجديدة أن تتم في إطار قيام الحكومة اللبنانية بخطوات إصلاحية تجميلية لا تغير بشكل جوهري من واقع الحال.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


Advertisements
الجريدة الرسمية