رئيس التحرير
عصام كامل

رفاق الثورة.. الثنائي المنسي.. علي شعراوي «ابن ذوات» دافع عن حقوق المصريين.. وانفصل عن سعد زغلول بسبب اختلاف وجهات النظر.. وعبد العزيز فهمي «وزير رفض تعدد الزوجات».. ودافع عن علي ع

عبد العزيز فهمي
عبد العزيز فهمي

ينقضي عام 1918، وتضع الحرب العالمية الأولى أوزارها، فتفرض بريطانيا العظمى الحماية على البلاد، وتلغي الدستور المصري، مع زيادة النفوذ الإنجليزي على الاقتصاد المصري.. حينها سادت حالة من السخط عمت أرجاء القاهرة، خاصة بين فئات الشباب وطلبة الجامعات، فما أن انقضى الأسبوع الأول من شهر مارس في عام 1919، وتأكد المصريون من عزم حكومة الاحتلال إلغاء الدستور المصري كاملا، خرجت مظاهرات حاشدة من مناطق مصر القديمة ومحيط مبنى محافظة القاهرة مرورا بمناطق باب الخلق وباب اللوق وغيرهما، عبارات مناهضة لسياسات الاحتلال، انقطاع دائم عن الدراسة في المدارس الثانوية والعليا فتعلقت عملية التعليم في البلاد.


وما أن احتدمت المعركة والتي باتت أشبه بحرب الشوارع بين الثوار و"عساكر الإنجليز"، حتى وقع عدد من الإصابات بين صفوف المتظاهرين، وكانت أول مرة تخرج مظاهرة بالحجارة في تاريخ مصر، وامتدت للمحافظات المجاورة حتى مدن الصعيد.

3 رجال
بالتزامن مع ذلك سطع نجم ثلاثة من رجال السياسة والنخبة المصرية في ذلك الوقت، حملوا لواء الدفاع عن القضية الوطنية، بعد علمهم بأن ما وقع في التاسع من مارس 1919 لم يكن مجرد هبّة شعبية طارئة، أو زوبعة وستمر، قرر "سعد زغلول وعلى شعراوي وعبد العزيز فهمي"، ثلاثتهم، تشكيل وفد مصري خالص يحضر مؤتمرا عُقد في مدينة باريس الفرنسية لعرض القضية دوليا وعرض سياسات الانتهاك التي تمارسها القوات الإنجليزية ضد المتظاهرين المصريين السلميين، ولكن بريطانيا أصدرت قرارًا باعتقال الرجال الثلاثة ونفيهم إلى جزيرة مالطا المتوسطية. أدى ذلك إلى تأجج نيران الغضب في الشوارع لتشمل كافة ربوع البلاد، فلم تعد هناك مدينة تخلو من الهتاف ذاته "سعد سعد.. يحيا سعد".

خطف الأضواء
هذا الهتاف لم يكن عفويا أو قُدر له أن يلقى على مسامع الثوار وألسنتهم، لكنه كان انعكاسا واضحا لِما آلت إليه الحركة الوطنية التي كان من المفترض أن يتزعمها، وفقا لما أطلق عليهم، سعد زغلول ورفاقه، وكأنه "المركب التي تحوي أكثر من قبطان حتما ستغرق"، وهكذا نجح سعد زغلول في أن يخطف الأضواء ويسكن قلوب المتظاهرين، فبدلا من أن يهتفوا في الشوارع "يحيا سعد زغلول وعلي شعراوي وعبد العزيز فهمي"، رأوا أن لواء الثورة التي انطفأت في أغسطس من العام ذاته، ولكن امتدت آثارها حتى تم إقرار دستور 1923، أحق به سعد زغلول دون غيره.

ويبقى السؤال ذاته محل جدال بين الكثيرين، من هما علي شعراوي وعبد العزيز فهمي، وماذا قدما لثورة 1919، ولِمَ خفت نجمهما قبل أن تحقق الثورة أهدافها كاملة؟!

علي شعراوي.. الصعيدي ابن الذوات
ولد علي شعراوي في أسرة ميسورة الحال.. الأب كان حسن أغا شعراوي عمدة قرية المطاهرة بمحافطة المنيا، والأم السيدة "يامنة" شقيقة حسن بك سلكان عضو المجلس النيابي الذي تشكل في عهد الخديو توفيق، وقائم مقام خديوِ مصر في منطقة الصعيد كاملة، تزوج في سن صغيرة وأنجب "حسن بك شعراوي. 
هكذا كانت نشأة وحياة أحد أهم المشاركين في الوفد المصري الذي سافر إلى باريس لعرض قضية الأمة المصرية على الأمة الأوروبية، حيث تشرب على شعراوي العمل السياسي وعرف دروبه المختلفة من خلال خاله محمد سلطان باشا الذي اصطحبه معه إلى القاهرة، ليتعرف هناك على النخبة السياسية الحاكمة.

ومنها تتوطد علاقته بسعد زغلول وأحمد لطفي السيد الذي كان صديقا مخلصا لخاله، فأدخله في مجال العمل الصحفي من خلال العمل في جريدة مملوكة لأحمد لطفي السيد، الأمر الذي جعله يتقرب أكثر من ابنة خاله الزعيمة النسائية المعروفة "هدى محمد سلطان"، أو "كما اشتهرت بـ"هدى شعراوي"، التي عرف عنها نضالها الوطني لسنوات بجانب العديد من النساء، من أجل الحصول على الحق السياسي المشروع في تمكين المرأة من العمل النيابي والسياسي في الفترة من القرن الـ19 وحتى بداية القرن العشرين.

السفر لباريس
في مطلع عام 1919، كان على شعراوي في مصاف الفريق الذي عقد العزم على السفر إلى باريس في المؤتمر المرتقب، حصل هو، والرفاق "سعد زغلول، وعلي شعراوي وعبد العزيز فهمي، ومحمد محمود، وغيرهم"، على تأييد شعبي مكنهم من جمع التوكيلات من المصريين بالسفر والتحدث نيابة عنهم وعرض مطالبهم، إلا أنه قُدِّر لشعراوي أن يكون ضمن الفريق الذي تم اعتقاله ونفيه، ليظل بالقرب من سعد زغلول، حتى يناير 1921 حينما تم الإفراج عنهم، ليعودوا إلى مصر مرة أخرى، ويشتعل فتيل الأزمة بين حزب الوفد بقيادة سعد زغلول وعلي شعراوي وزوجته؛ ما يجعل الأخير يقرر الانسحاب من الحزب نهائيا، واعتزال العمل السياسي مع سعد زغلول، بعد أن أخذ شعراوي صف محمد محمود وعدلي يكن وآخرين من النخبة السياسية المصرية، بضرورة "مجاراة" حكومة الاحتلال البريطاني حتى يحصلوا على مطالبهم كاملة، بينما كان الجناح الآخر بقيادة سعد زغلول ومصطفى النحاس متشددا في مطالبه وأنه لا خيار سوى الاستقلال وعودة الدستور المصري.

عبد العزيز فهمي
ولد عبد العزيز فهمي في قرية كفر مصيلحة بمركز شبين الكوم بالمنوفية، لأسرة ذات مركز اجتماعي مرموق وقائدة في دائرتها، ونهاية القرن التاسع عشر، تلقى تعليمه الأول في جامع السيد البدوي بمدينة طنطا، وأكمل الدراسة الابتدائية هناك، ثم انتقل إلى القاهرة ليدرس بالمدرسة الخديوية، ومنها إلى مدرسة الحقوق التي تخرج فيها عام 1890، ليعمل مترجما في نظارة الأشغال، والتي أهلته ليعمل كاتبا في عدة محاكم بمختلف المحافظات، حتى وصل إلى محكمة بني سويف التي تعرف فيها على السياسي اللامع آنذاك أحمد لطفي السيد، والذي انخرط به إلى السلك السياسي.

تدرج في مناصب عدة حتى أصبح وكيلا للمستشار القضائي بوزارة الأوقاف، ثم نائبا عن منطقة قويسنا بالمجلس التشريعي، ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى، وبينما أصبح عبد العزيز فهمي أحد المدافعين عن القضية المصرية في المجالس القضائية، أصبح أحد أعضاء الوفد المصري الذي سافر بأمر الشعب للمطالبة بحق مصر في الاستقلال.

وبحلول عام 1925 وبينما قرر فهمي الانفصال عن حزب الوفد وصديقه سعد زغلول، للأسباب ذاتها التي دفعت بعلي شعراوي للخروج من الحزب، تولى رئاسة حزب الأحرار الدستوريين "المحافظ"، وفي العام نفسه وقع عليه الاختيار ليكون وزيرا للحقانية، "العدل حاليا"، في وزارة أحمد زيور باشا، وكانت له مواقفه السياسية والدينية التي ما زالت تُذكر كلما ذُكر عبد العزيز فهمي، منها مطالبته الأزهر الشريف بضرورة إصدار فتوى تمنع تعدد الزوجات في مصر، ووقوفه بجانب الشيخ على عبد الرازق مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، والذي أدان فيه موقف الحكومة المصرية والسلطة الحاكمة بل والخلافة العثمانية ككل، لما يعرف بتطبيق نظام الخلافة في الحكم الإسلامي، ما أشعل الغضب في صدر الخديو والحكومة ورجال الدين وطالبوا بإصدار فتوى من الأزهر الشريف ضده وبضرورة مصادرة الكتاب وكافة نسخه، فكان لوزير الحقانية ورئيس حزب الأحرار الدستوريين رأي مناهض للسائد، يرفض إدانة المؤلف لأنه لم يجد في الكتاب ما يستوجب فصل على عبد الرازق، فصدر قرار بنقل الإشراف على الوزارة لوزير آخر، واعتزل عبد العزيز فهمي الحياة السياسية تماما بعدما حدث الائتلاف بين الأحزاب المصرية، بقيادة مصطفى النحاس فيما عرفت بالوزارة الائتلافية.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية