رئيس التحرير
عصام كامل

أنا «معالى الوزيرة».. من أنتم؟


رُبّ ضارةٍ نافعة؛ فقد جاءتْ إقالة الدكتور "جمال شعبان" من عمادة معهد القلب بإمبابة، كاشفة ودالة على أمور عديدة، بعضُها إيجابىٌّ، وبعضُها سلبىٌّ بطبيعة الحال.


إيجابياتُ الإقالة الغادرة، تجسَّدتْ، للمرة الأولى منذ فترة طويلة، في حالة التوافق الواقعى والإلكترونى على أمرٍ ما، وهو أمرٌ نادرُ الحدوث منذ ثورة 25 يناير. تجلى هذا التوافق في الإجماع على كفاءة وإنسانية الدكتور "جمال شعبان"، وأنه تعرض لحالة مُتقدمة من الغدر والاضطهاد وتصفية الحسابات، وأنه نال جزاء "سينمار"، رغم ما بذله من جهود حقيقية داخل المعهد، الذي كان حتى وقتٍ قريبٍ، عنوانًا للإهمال.

كما يمكنُ القولُ: إن حالة الغضب التي صاحبت الإطاحة بـ "شعبان" من منصبه، غير مسبوقة مع أي مسئول حكومى خلال السنوات الأخيرة على الأقل، حيثُ جرت العادة في مثل هذه الوقائع أن تسود حالة من الشماتة بين المرؤوسين، ولكن هذا لم يحدثْ. فورَ صُدور القرار الوزارى الغاشم، احتجَّ أطباء وممرضو وموظفو وعمال المعهد عليه وطالبوا بإلغائه، فيما اندلعتْ مظاهراتٌ إلكترونية غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعى؛ رفضًا لإبعاد "شعبان"، وتسابق روادُ مواقع التواصل الاجتماعى على إبراز الإنجازات العلمية والإنسانية له، وكشف أخطاء وخطايا معالى "الوزيرة"، بل طالب بعضهم بإسناد الوزارة للعميد "المرفود" بفرمان الوزيرة.

برامجُ الصباح والمساء في القنوات التليفزيونية الحكومية والمؤمَّمة تعاطفتْ أيضًا مع "شعبان" ومنحتْه الفرصة ليبرئ ساحته من اتهامات الإهمال والتقصير التي نسبها له مُتحدِّثُ الوزارة والوزيرة دون حياء أو خجل. نوابُ البرلمان، ومعظمُهم ذوو هوى حكومى، تعاطفوا –هذه المرة- مع العميد المُقال، وأعلنوا غضبهم من الوزيرة وقرارها البائس، بل اتهموها بأنها دأبتْ على تجريف الوزارة من الكفاءات العلمية منذ استوزارها.

الوزيرة، التي لم تحصلْ بعد بكالوريوس الطب سوى على "دبلومة في النساء والتوليد"، تجد صعوبة بالغة في التعامل مع القامات العلمية الكبيرة، ومن بينهم: الدكتور "جمال شعبان"، حتى أنها تردد دائمًا عند التعامل معهم: "أنا معالى الوزيرة"، لتخفى ما لا تريد إظهاره من تواضع قدراتها ومؤهلاتها العلمية أمامهم، وعلماء الطب النفسى لا يجدون صعوبة في تشخيص مثل هذه الحالة.

النوابُ الغاضبون، طالبوا بإخضاع من يتم ترشيحهم للحقائب الوزارية للاختبارات النفسية، حتى لا نفاجأ مُجددًا بوزير أو وزيرة، يتعامل بهذا الغلِّ مع مَن حوله، وهو اقتراحٌ وجيهٌ ويجبُ تفعيله، لا سيما في ظل الإفراط في استوزار النساء وتعيينهن في المناصب الكبرى، على سبيل المجاملة وليس الكفاءة.

معالى الوزيرة، أية وزيرة، يجب أن تتطهر، فور استوزارها، من أمراض النساء، مثل: الحسد والكيد والانتقام وتصفية الحسابات، هذه أزمات نفسية لا تليق بمقام أصحاب وصاحبات المعالى من الوزراء والوزيرات.

هناك إيجابية أخرى في قرار الإقالة، يتمثلُ في أنه قد يُعجِّل بالاستغناء عن خدمات الوزيرة نفسها، التي لم تثبت كفاءة تُذكر، ولولا مبادرات الرئيس مثل: "100 مليون صحة" و"نور حياة"، لاكتفت الوزيرة بالبقاء في مكتبها، والترديد: "أنا معالى الوزيرة"، حتى يأتيها اليقينُ.

أما السلبيات فهى أكبر من أن تُحصى وتتضمنها بضعة سطور، ولكن قد يكون أبرزها هو أن هذا القرار العشوائى، يكشف طبيعة وقدرات من يتم استوزارهم، ويؤكد كيف يتم تجريف الوزارات والجهات الحكومية من الكفاءات والكوادر الواعدة بـ "جرَّة قلم" من مسئول حقود أو وزير حسود.

وأخيرًا.. أتمنى أن تنتهى مسيرة هذه الوزيرة مع المنصب الوزاري عاجلًا وفورًا، قبل أن يجمعها لقاءٌ عابرٌ بالدكتور "مجدى يعقوب" أو الدكتور "حسام موافى" أو الدكتور "هانى الناظر" أو الدكتور "محمد غنيم" أو الدكتور "حمدى السيد"، أو أىٍّ من أصحاب القامات العلمية الرفيعة والمكانة الطبية الكبيرة، فتتعالى عليهم صارخة في وجوههم: "أنا معالى الوزيرة.. من أنتم"؟!
الجريدة الرسمية