رئيس التحرير
عصام كامل

بعد ضربات متبادلة.. فرص الحرب والتهدئة بين باكستان والهند

فيتو

وجهت الهند ضربات جوية لعمق الجزء الباكستاني من كشمير لاستهداف جماعات مسلحة تهدد الأمن الهندي، وقالت نيودلهي إن ذلك ردعا على هجوم استهدف القوات الهندية في كشمير أدى إلى مقتل 45 من أفراد قوات الأمن الهندية.


حرب الطائرات
وخلال الساعات الماضية تبادل الجيش الهندي والباكستاني عمليات القصف وإسقاط الطائرات، وكذلك تصريحات التهدئة بين البلدين في مؤشر ينزع فتيل الحرب الرابعة بين باكستان والهند (حرب 1947-1965-1971).

وأسقطت باكستان مقاتلتين هنديتين اخترقتا أجواءها، وأسرها طيارين اثنين، وفق ما أفادت وكالة "رويترز".

وقالت وسائل إعلام هندية إن مقاتلتين هنديتين أسقطتا بنيران باكستانية خلال عملية اعتراض فوق سماء كشمير الهندية.

وأكدت وزارة الخارجية الباكستانية أن إسلام آباد «لا ترغب في التصعيد مع نيودلهي»، كما خرجت تصريحات من الخارجية الهندية تحمل نفس التوجه.

أسباب الأزمة
وحول الأسباب التي أدت إلى اندلاع الأزمة، يقول هانى سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، إن «يأتي السبب المباشر لذلك لتصاعد في الأزمة بين الهند وباكستان على خلفية الهجوم الذي تبناه تنظيم (جيش محمد) بالقرب من قافلة للشرطة العسكرية في ولاية جامو وكشمير والذي أدّى إلى مقتل 45 شخصًا؛ ما تسبّب في تعقيد العلاقات الهندية - الباكستانية المتوترة بالفعل، وبات ينذر بتجدد النزاع العسكري مجدّدًا، خاصة بعد الغارة الجوية التي قامت بها الحكومة الهندية على مواقع جماعة "جيش محمد" في الجانب الباكستاني من كشمير، وما تبعه من قيام إسلام آباد بالرد واستهداف مقاتلات وأهداف هندية».

وأضاف سليمان، في تصريح لـ«فيتو»: غير أن تلك الجولة من التوترات تلقى بعديد من الملاحظات الأساسية؛ أولها يتعلق باستمرار المراوغة من الجانبين، ويفرض حاجة ملحة من إعادة تعريف وضبط العلاقات؛ حيث جاءت المواقف الرسمية متلاعبة؛ فقد أعلنت وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج، أن تصرفات بلادها في كشمير ليست هجومًا عسكريًا، بل ضربة موجه ضد الإرهابيين وليس المدنيين.

وأوضح المتحدث باسم الجيش الباكستاني الجنرال آصف غفور أن إسلام أباد ليست لديها نية لبدء الحرب؛ لكنه لا يجب العبث معها، ولا توجد نية تصعيد الأزمة وأنهم تجنبوا قصف أهداف عسكرية أو التسبب في خسائر في الضربة الجوية.

الجبهات الداخلية
وتابع الخبير في العلاقات الدولية أن «الملاحظة الثانية أيضًا أن تلك الأزمة يحركها بشكل كبير حالة التحفز الشعبي ويضبطها نوع من الحسابات السياسية؛ فالشارع الهندي مسرور بتنفيذ هذه العملية التي يرى فيها انتقاما للهجوم الانتحاري الذي شنته قبل أيام جماعة (جيش محمد)، كما أن الحكومة الهندية مصممة على عدم التهاون مع باكستان خاصة أن هناك انتخابات هندية قادمة، وأنها قد تنجح في توظيف ذلك في جعل العالم يتبنى وجهة نظرها التي ترى أن باكستان لا تعمل بما يكفي لمنع الجماعات المسلحة من تنفيذ هجمات على الجانب الهندي انطلاقا من الأراضي الباكستانية».

وأضاف سليمان قائلا: «في الجانب الآخر كان هناك استنفار شعبي باكستاني وضغوط لحفظ ماء الوجه خاصة مع الحديث عن الانتهاك الهندي للأجواء الباكستانية وخرق القانون الدولي بعدوانها على باكستان، وهو ما أحرج الحكومة بشكل كبير».

ملفات متعددة
وأشار إلى أن «الملاحظة الأخرى في تلك الأزمة هي أن التوترات الهندية الباكستانية لا تنقطع، وأن مثل هذه الإجراءات الأخيرة ما هي إلى السبب المباشر، غير أن هناك تطورات أخرى قائمة وأحدثت تردي في التقديرات والحسابات لكلا الجانبين وزادت من حجم الأزمة؛ خلافًا لقضية الحدود وإقليم كشمير الذي يُعد القضية الرئيسية للنزاعات، فهناك تطور جديد يتمثل في أزمة المياه والسدود: حيث أعلنت الهند منذ أيام قرارها بوقف مياه روافد نهر السند من التدفق إلى باكستان، في خطوة تصعيدية إضافية في تاريخ النزاع والتوتر بين الجارتين النوويتين، مع الاعتبار أن باكستان قد تواجه نقصًا حادًا في المياه بمقدار 104 ملايين قدم-فدان بحلول عام 2025، وأن قرار الحكومة الهندية بناء سد على نهر رافي (أحد روافد نهر السند الستة) يعزز فرص التوتر».

القوة العسكرية
وحول القوة الفوارق العسكرية بين البلدين أكد سليمان: «يمكن القول إن أحد محددات الصراع الهندي الباكستاني يتمثل في توازن الردع؛ حيث يحتل الجيش الهندي المرتبة الثالثة، بينما الجيش الباكستاني يأتي في المرتبة العاشرة بين أقوى الجيوش الآسيوية، والنقطة الأخطر أن كلتا الدولتين يمتلكان قوة نووية؛ فتمتلك باكستان ما بين 130 إلى 140 قنبلة نووية، بينما تمتلك الهند عددًا يتراوح بين 120 إلى 130 قنبلة نووية، بالرغم من أنهما لا يعترفان بامتلاك أسلحة نووية».

فرص الحرب والتهدئة
وتابع مدير المركز العربي للبحوث والدراسات: «بالرغم من أن فرص الحرب بين الدولتين الآن عالية جدًا، وباعتبار وجود 4 حروب سابقة بين البلدين؛ ولاعتبارات سياسية خاصة بالهند بشكل أكبر تتعلق بالانتخابات المقبلة وفرص حزيه الحاكم بهاراتيا جاناتا، ومع احتمالات التصعيد الإقليمي في ضوء توترات مطالبات زعماء منظمة التعاون الإسلامي بالوقوف إلى جانب باكستان، والتأكيد على أن باكستان لن تحضر أي اجتماع لهذه المنظمة إذا شاركت فيه الهند».

وحول مستقبل الأزمة يقول «غير أن سيناريو التهدئة أعتقد سيفرض نفسه لعدة اعتبارات؛ أهمها الوساطة الدولية والإقليمية، وبخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تريد فتح جبهة جديدة في ظل عدم قدرة إدارتها على معالجة الأزمات الموجودة بالفعل، وفي سياق حديث عن مفاوضات مع حركة طالبان باكستان ربما تحدث نتائج إيجابية».

وأضاف سليمان «كما أن الدولتين رغم التوترات الشديدة، لا تستطيعان المضي قدمًا في سيناريو حرب مفتوحة في ذلك التوقيت، وخاصة أن التصعيد جاء نتيجة ضغوط شعبية واعتبارات سياسية، ربما حققت أهدافها، وبات سيناريو التهدئة يلقي بمؤشراته، وخاصة في ظل احتمالات تدخلات آسيوية وسعودية بالأساس».

واختتم قائلا: «غير أن المشكلة الأساسية فعليًا تتمثل في وجود مساحة كبيرة للتوترات والأزمات قابلة للتجدد بين الحين والآخر؛ وهو تحد كبير وخطير، يزيد من خطورته غياب أية صيغة للتكامل والتعاون في سبيل تسوية الأزمات وإدارة الموارد بشكل مشترك بين الجارتين، خاصة في ظل وجود حالة استقطاب شديدة أيديولوجية وسياسية».

كشمير "إقيلم النزاع"
يقع إقليم كشمير الذي عرف باسم جامو وكشمير (Jammu and Kashmir) في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية، تحده الصين من الشمال، ومنطقة التيبت شرقا، وولاية البنجاب الهندية جنوبا، أما غربا فتحده باكستان، وبذلك يحتل موقعا إستراتيجيا مهما على حدود هذه الدول النووية الثلاث.

وتبلغ مساحة الإقليم نحو 222.236 كيلومترا مربعا، وتسيطر الهند على نحو 48 %منه، فيما يخضع نحو 35 % منه إلى سيطرة باكستان، أما الصين فتسيطر على 17%.

ويمكن تقسيم منطقة "كشمير" إلى 3 مناطق رئيسية، منطقة تقع في الهند وتسمى "كمشير وجامو" وتعتبر الجزء الأكبر من تلك المنطقة وبها العدد الأكبر من السكان، ومنطقة تقع في باكستان وتعرف باسم "ولاية كشمير الحرة"، وثالثة تقع في الصين وتسمى "أكساي تشين" وتعد هذا المنطقة هي الجزء الأصغر من الإقليم.

ويتحدث سكان كشمير الكثير من اللغات، مثل الهندية والأردية والصينية، وتعود أصول الشعب الكشميري إلى الأعراق التركية والأفغانية والمغولية.

ويعتبر إقليم جامو وكشمير من الناحية السياسية منطقة نزاع بتعريف القانون الدولي، وقد قامت الهند بضم الإقليم لها في 27 أكتوبر 1947 وفرضت عليه حماية مؤقتة بعد أن تعهدت للشعب الكشميري وللأمم المتحدة بمنح الكشميريين حق تقرير المصير.
الجريدة الرسمية