رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

فدائية خبير المفرقعات


في أقل من أسبوع وقعت ثلاث حوادث إرهابية، بلغ عدد الشهداء فيها 18 بطلا من خيرة أبناء مصر في القوات المسلحة وفى الشرطة. بدأت الموجة الجمعة الماضية ١٥ فبراير، وبعدها وقع الهجوم الإرهابي على كمين جودة - ٣ جنوبي العريش عند الفجر، وراح ضحيته ضابط و14 جنديا، فتحت لهم الجنة عند استقبالهم كما قضى الله في القرآن الكريم.


ومساء الإثنين، وقع الحادث الثالث، وتبين أن مرتكبه هو ذاته صاحب الجريمة الأولى في ميدان الجيزة، حيث ألقى قنبلة زنة ١٥ كيلو جراما لتفجير قوة أمنية مع المصلين عند مسجد الاستقامة!

إرهابى الجيزة إذن هو إرهابي حارة الدرديرى بالدرب الأحمر الذي استشهد فيه المقدم رامي هلال، والأمين محمود أبو اليزيد، ومعاون مباحث محمد خالد. وأصيبت المواطنة المسكينة حلاوتهم زينهم، تصادف مرورها بالتوازي مع إيقاف الإرهابي الحسن عبد الله العراقي إثر نزوله من شقته -معمل المتفجرات، وركوبه الدراجة واضعا كمامة على فمه! بمجرد اقتراب الشرطيين منه رفع يده اليسرى وضغط زر التفجير فتحول والشرطيان إلى أشلاء.

لعنة الله عليه!

بقدر الرعب الذي عاشته حارة الدرديري، بعد اكتشاف أن الشقة مصنع كامل للقنابل والعبوات والأحزمة الناسفة وفوارغ القنابل ومواد تي أن تى، بقدر الحزن الذي يعيشه كل بيت مصرى، إذ لم تهدأ النار في صدورنا بعد مذبحة العريش، حتى وقع حادث الدرب الأحمر.

لابد من الانتباه إلى أن هذا الإرهابي كان حاملا حزامه الناسف بصدره، وعلى ظهره حقيبة محملة بالقنابل، وفي الشقة جهز قنبلة بتايمر لينسف العمارة بسكانها بعد خروجه منها، وكان متجها لارتكاب مذبحة بوسط البلد على الأرجح. بعد إخلاء الحارة والعمارة طبعا، كان لابد من تجهيز خبير مفرقعات للتمشيط والبحث.

كلنا رأينا صورة الشاب المجهز ببدلة خاصة. فتشت عن اسمه، لم أجده على الإطلاق. لو كان لا قدر الله فشل في مهمته وتحول إلى أشلاء لتسابقت المواقع إلى الإشادة والترحم على البطل فلان الفلانى!

هو فعلا فلان الفلاني. ما شعورك وأنت ترتدى كفنك حيا؟!!

عارف إنك ذاهب في مهمة إما أن تنجح فيها ١٠٠٪؜، أو تموت فيها ١٠٠٪؜. ذلك بالضبط ما فكرت فيه وهم يجهزون خبير المفرقعات ببدلة تجعله أشبه برائد فضاء. البدلة ذات خوذة تتحمل درجة حرارة ٢٠٠٠ درجة مئوية وزجاج يحمي الوجه والخوذة ذاتها مزودة بدائرة اتصالات كاملة للتواصل مع الخبير الأعلى أو قائد المجموعة يوجهه. المبدأ المتعارف عليه في هذا النوع من المهام الانتحارية: رجل واحد لكل قنبلة.

هو يعرف أنه ذاهب وقد لا يرجع. عادة يتم تجهيز ثلاثة خبراء مفرقعات، ويستقر الاختيار على أكثرهم ثباتا ولياقة نفسية وسكينة وهدوء. الإيمان بالله والعمر المقدر والتضحية من أجل الوطن هي وقود يحرك خبير المفرقعات نحو النهاية: السعيدة بفك القنبلة، أو المفجعة بانفجارها فيه.

البدلة ليست لتمنع الانفجار، ولا لتحمى الخبير، بل هي وعاء صلب للحفاظ على أشلاء الجسد حين يفشل الخبير لا قدر الله.
أية مشاعر تلك راودت قلب وروح وعقل هذا البطل، وهو يدلف داخل العمارة التي تبين أنها مفخخة بقنبلة ذات ميقات. ما شعوره وهو يرقى في السلم، وهو يتقدم نحو المجهول، ونحو مواد متفجرة وأسلاك ودوائر هنا وهناك، ربما كانت شبكة ناسفة!
Advertisements
الجريدة الرسمية