رئيس التحرير
عصام كامل

الجنس مقابل الحياة


حصولُ فتاةٍ جميلةٍ على فرصة للوقوف أمام كاميرات السينما والتليفزيون مقابل "الجنس"، أمرٌ لم يكنْ مفاجئًا لى، المفاجأة الحقيقية هي اصطناع الصدمة وافتعالُ الدهشة من جانب أدعياء الأخلاق ومُنتحلى الفضائل وحُراس المدينة الفاضلة، فكم من ممثلات واعدات موهوبات تركن الأضواء سريعًا، وكم من ممثلات محدودات الموهبة تصدرت أسماؤهن وصورهن أفيشات المسلسلات وتترات المسلسلات دون وجه حق؟!


"الجنسُ مقابلَ الحياة".. نظرية ليستْ طارئة أو جديدة على المجتمع المصرى، بكلِّ أسفٍ، بل هي قاعدة عملية أثبتت نجاحًا منقطع النظير لأصحابها، فمن خلالها يتم فتح الأبواب الموصدة، وتحقيق الأحلام المستحيلة، واختصار المسافات الطويلة والأزمنة المديدة.

الأمرُ ليس سرًّا، فصفحاتُ الحوادث تحملُ كلَّ يوم جديدًا، ولكننا نصرُّ دائمًا وأبدًا على دفن رؤوسنا في الرمال أحيانًا وفى "الوحل" أحيانًا أخرى.

القضية المُثارة حاليًا، التي يجسد المخرج الشهير دور البطل فيها، بينت توغل أعراض "الشيزوفرينيا" في أعماق المصريين وتجردهم من أبسط المقومات الأخلاقية، حيث تسود بينهم روح الشماتة وحب الفضيحة وهتك الأستار، وقديمًا قالوا: "من رأيته يطلبُ العثرات على النَّاس، فاعلم أنَّه معيوب".

"الجنسُ مقابل الحياة".. قاعدةٌ يتم تطبيقها في الجامعة وفى العمل، وفى كثير من شئون الحياة، وخلال هذه السطور سوف أنشِّطُ ذاكرتك بحزمةٍ من الجرائم والقضايا والوقائع التي تداولتها وسائل الإعلام في السنوات القليلة الماضية؛ لعلك تدرك الدرك الأسفل من الأخلاق الذي هبطنا إليه واستوطنَّاه وألفِناه، ولا نحاولُ الخروجَ منه.

قبل 4 سنوات.. اضطر أحدُ القضاة إلى تقديم استقالته إلى وزير العدل آنذاك المستشار "أحمد الزند" بعد ثبوت تورطه في قضية رشوة جنسية، تفاصيلها وأسرارها مُتاحة في أرشيف الصحف والمواقع الإلكترونية. وقبلَ أقلَّ من عامين.. تداولتْ وسائلُ الإعلام القضية المعروفة إعلاميًّا بـ "رشوة مجلس الدولة"، وانطوتْ على تفاصيل مُخجلة، دفعت المتهم الأول فيها إلى الانتحار.

هناك أيضًا مُحامون يبتزون المُتهمات أو الباحثات عن حقوقهن المهدورة، خاصة إذا لم يكنْ لديهنَّ القدرة المادية على دفع الأتعاب.. هذا عُرفٌ لا ينكرُه أصحابُ الروب الأسود ويتفاخرون به في أمسياتهم ومسامراتهم.

أما في الجامعة، فحدِّثْ ولا حرج، حيث تناقلتْ وسائلُ الإعلام العام قبل الماضى، نصوصَ مُحادثات فاضحة بين أستاذ جامعى وإحدى طالباته، تضمنت ابتزازًا واضحًا وصريحًا للأخيرة بالخضوع أو الرسوب في مادته، الأمرُ لا يقتصر بطبيعة الحال، على مرحلة الليسانس أو البكالوريوس، ولكنه يمتدُّ أيضًا إلى الدراسات العليا.

نظرية "الجنس مقابل الحياة".. حاضرة بقوة في المجال الإعلامي، باختلافِ مستوياته، منذ الالتحاق بالعمل، وحتى الترقى والحصول على أكبر المكتسبات، ولا ينكر ذلك سوى كاذبٍ أو مُنافق.

قبلَ عامين.. نشرتْ بوابة إلكترونية رصينة تحقيقًا صحفيًا مُهمًا جدًا عن السيدات اللاتى تورطن في علاقات آثمة خاطفة تحت وطأة الحاجة، حيث ذكرتْ إحداهنَّ أنها فعلت ذلك مرة أو اثنتين، لأنها كانت تحتاج مبلغًا من المال لدفع مقابل الدروس الخصوصية لابنها الذي يدرس في عامه الأخير بالثانوية العامة، لا سيما أن زوجها فقد عمله، وكانت تخشى رسوب ابنها.

فيما اعترفت أخرى بأنها اضطرت إلى ذلك لتدبير تكاليف علاج والدتها وسداد الإيجار المتراكم خلال ستة أشهر. وأقرت ثالثة بأنها فعلت ذلك لضمان أحقيتها في الترقية وعدم تجاوزها لصالح زميلتها، وبررت رابعة جريمتها بأنها اضطرت إلى الخطيئة؛ حتى لا يتم سجنها، بعدما عجزت عن سداد أقساط تجهيز ابنتها!!

وفى مثل هذه الحالات، فإنه من الغباء المبالغة في الهجوم والتطاول على طرف دون الآخر، فالذكر الذي يبتز أنثى مُستغلًا ظروفها هو المجرمُ الأول، وليس الأنثى، لأن الأخيرة، مع الإقرار بخطيئتها، تكون في الموقف الأضعف، وتضطر غالبًا إلى ذلك اضطرارًا.
المجتمعاتُ الذكورية هي التي تستأسدُ على الأنثى ويتناوبُ أفرادها على رجمها، فلا تخطئ أنثى وتقترفُ الحرام دون ذكر استدرجها وأغواها وأسقطها في المستنقع.

المشرِّعُ لا يجب أن يقف موقف العاجز والمتواطئ والمتخاذل أمام كل هذه الجرائم التي تتصل بـ" الشرف والعرض"، يجب أن تكون هناك خطواتٌ جادة لمواجهتها وتجفيف منابعها، من خلال تغليظ العقوبة للطرفين، على أن تكونَ عقوبة الذكر أعنفَ وأشدَّ.

مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي قدمه الأزهر الشريف للبرلمان مؤخرًا، والذي يُجرِّمُ الزواجَ العُرفى ويعتبره "زنا"، يجبُ أن يُؤخد في الاعتبار، ولا يتم تجاهله كما يُخطط معظم النواب، لأنه بابٌ خلفى وذريعة يتكئ عليها المُخطئون والمُجرمون والزناة والغوانى، والباحثون عن المتعة المُحرَّمة، للإفلات من العقاب الدنيوى.

وأخيرًا.. فإنَّ ما بين السيديهات والفيديوهات، وتحت وطأة الحاجة والابتزاز واستغلال النفوذ.. دُنِّستْ أعراضٌ واُنتهكتْ أعرافٌ ولُوِّثتْ أنسابٌ ودُمِّرتْ عائلاتٌ، وتداعتْ ثوابتُ دينية وأخلاقية، وتوارت قيمٌ وتقاليدُ راسخة.. أسقطوا نظرية "الجنس مقابل الحياة"، أعيدوا للكرامة والشرف والنخوة اعتبارَهم المفقود في مدينة العناتيل..
الجريدة الرسمية