رئيس التحرير
عصام كامل

إيمان السيد مصطفى تكتب: أحبت سيكوباتيا

فيتو

كانت تحلم بفارس الأحلام الشاب الذي يلمع نجمه بين أوساط الناس، فقد كان وسيما من أسرة مرموقة.. طموحًا وناجحًا في عمله، يبدو متدينًا، لطيفًا، ودودًا، وجذابًا.


الأهم من ذلك أنه في بادئ الأمر كان يمنحها الشعور بالاختلاف عن أي أمراة أخرى قابلها في حياته (انتي غير أي واحدة عرفتها بحياتي).. حينما بدأت فترة الخطوبة كان يبهرها بالكلام المعسول والمفاجآت والهدايا التي لم تكن تتوقعها ظنًّا منها أنه يحبها، لكنها لم تكن حقيقته، فقد كان يخفي وراء قناع المثالية عيوبه السيكوباتية.. كان كل شيء يبدو مثاليا في بادئ الأمر.. كان يغدقها بأجمل الكلمات ويسعدها بكل التصرفات حتى تطمئن له، ويصبح كل شيء في حياتها.. ويجعلها تعشقه حتى يصير العشق فخا يدخل من خلاله إلى أوصال قلبها وتبدأ في الثقة به دون غيره من البشر.. ومن هنا تكمن جذور الورطة الحقيقة والعلاقة الاعتمادية.. تبوح له بكل أسرارها، يعزلها عن العالم أجمع بدءا من أهلها وصديقاتها واحدة تلو الأخرى، بل يجعلها لا تترك الهاتف معه، ويأخذها من ممارسة حياتها اليومية بشكل طبيعي.

بعد الزواج اختلف الأمر كثيرا عما قبل، ومن هنا لابد أن تتمهل أشباهها ممن هن في البداية، تمهلي فهناك علامات كثيرة تجعلك تقفين عند أخذ قرار الارتباط بمثل هذا الشخص، أهم هذه العلامات؛ كثرة التحكم والسيطرة بشكل مرضى حيث أن السيكوباتي يتحكم في كل صغيرة وكبيرة في حياتك، وإذا كان هناك خلاف يتركك بالأيام بلا مبرر، يخفي إيذائه لها في صورة الملاعب المحترف، يبدأ في الاستهزاء بها واستمرار نقدها كشكل من أشكال السخرية مثلا ( انتي فاشلة..) وهذا ما يطلق عليه في علم النفس "التقمص الإسقاطي" أي أنه يسقط فشله وكل العيوب السيئة على الطرف الأخر حتى يصدق هذا الطرف الإسقاط بشكل لاواعي.

وحينما تهيج لهذا التصرف الغريب بعد كل ما رأته من ود وتفاهم في بادئ الأمر، يلومها بكل جرأة وكأنها المدانة على أفعاله وأخطائه التي بدأت تتكشف لها بعد الارتباط، ثم يرفع سقف إيذائه ويتطاول عليها بالإيذاء اللفظي والبدني، طوال الوقت يستنزف طاقتها في تشكيكها في نفسها وقدراتها حتى تفقد الثقة بنفسها وبمن حولها، ماهر في زعزعة أمنها واستقرارها، وسرعان ما تبلع الطعم وتصدق الوهم بأنها السبب وراء كل حيله المراوغة المليئة بمرضه النفسي، لا يدع لها فرصة تلتقط أنفاسها حتى تدرك هذه العلاقة السامة بكل ما تحمله من معانيها المؤلمة، بل الأدهى من ذلك أنه يجيد فنون الكذب والاستتار حتى يقنع أهلها أنها مخطئة وأنها هي التي دفعته لهذا الإيذاء، ويضعهم في حالة شك وترقب للأحداث، بارع في أن يوهم غيره بشيء خلاف الحقيقة.

لا أخفي عليكم فجزء كبير من تصديق هذه الفتاة البريئة لأكذوبة هذه العلاقة السامة.. صورتها المشوشة عن ذاتها الحقيقية.. ولوم أهلها لها وخوفهم من الانفصال.. من أجل نظرة المجتمع المحدقة بهم.. ترى هل تنفع هذه النظرة حين تفقد هذه الفتاة نفسها وروحها، وهنا يتخفى السيكوباتي في ثوبه الجديد حتى لا تتفلت من يده حيث إنه يتغذى بمرضه عليها، ويتقمص الندم ويبكي على أفعاله، ولكن في قرارة نفسه هو يخطط لطريق جديدة للإيذاء لخداعها وخداع أهلها مرة ثانية وثالثة.

هكذا هي مصيدة اختيار السيكوباتي ولا أبرئ هذه الفتاة تماما من مصيدة الاختيار، فهناك أسباب رئيسية تجعل الكثير من الفتيات يقعون في هذه المصيدة أهمها:

- درجة الوعي بالاضطرابات النفسية وأعراضها معدومة، فمن السهولة أن تقع في السيكوباتي، وتنخدع في طلته المثالية دون تفكير، حيث يستخدم سلاحه الأمثل، وهو اللعب بالمشاعر، وحل هذا الأمر في كثرة الاطلاع والقراءة عن هؤلاء الأشخاص، كما ستزيد درجة الوعي عن نفسها وعن احتياجاتها.

- الجوع العاطفي للأبوة المفقودة: فلربما كان الأب لا يحتوي المشاعر والاحتياجات العاطفية لتلك الفتاة، ربما كان قاسيا لا يعرف الحنان والمودة، لغة التأنيب والنقد المستمر هي لغة الحوار بينه وبينها، أو كان مسافرًا بالشهور والأيام والسنين.

- الخوف من الهجر والفقد: فتظل خائفة من المستقبل والمجهول، خائفة من أن تقول لا للعلاقة الخاطئة خوفًا من الهجر النفسي ومرارة الفقد.

- عدم تقديرها لذاتها وتقبلها لذاتها الحقيقية نتيجة سماع أصواتًا سلبية من الآخرين أو من الأب والأم، فأصبحت صورة ذاتها الحقيقية مشوشة.

- ضعف الثقة بالنفس: أغلب المضطربين نفسيا من السيكوباتيين أو النرجسيين أو الساديين يختارون الفتيات اللاتي تكون ثقتهم بأنفسهن مهزوزة.

- دراما الحب الوهمية البعيدة عن الواقع التي تجر الكثير من الفتيات للانجذاب للشخصية النرجسية، ومحاولة تطبيق ما تشاهده في الأفلام على أرض الواقع.

- صراع الطفولة المدمر: فإذا كان الأب والأم في حالة نزاع مستمر، توصل الكثير من الرسائل السلبية للفتاة تجعلها، بشكل لا واعٍ، تعيد نفس السيناريو، ظنًّا منها أنها ستصلح الأوضاع في شكل علاقتها الجديد.

تأملت الفتاة، بعد تفكير عميق في ما يحدث لها، حتى أيقنت أنه لا مفر من إنهاء هذه العلاقة السامة، وقررت أن تبدأ حياتها من جديد، عادت إلى كل شيء تحبه في حياتها، وأدركت أن الحياة قصيرة، وبدأت في القراءة وممارسة الرياضة.. ولا شك أن معرفتها وتطبيقها لعلم النفس الإيجابي زرع فيها أملًا من جديد. وبدأت في إنشاء علاقات صحية جديدة، ثم أدركت مواطن القوة لديها، واستطاعت أن تجد شغفها في الحياة.

أهم ما قامت به بعد إنهاء هذه العلاقة، هو تقبلها لذاتها الحقيقية واسترجاع ما مر بها من إنجازات، وإدراكها أنها بشر يستحق أجمل ما في هذه الحياة، لم تنسَ روحها البريئة، وفطرتها النقية، فلا تزال عناية الله ترعاها..
الجريدة الرسمية