رئيس التحرير
عصام كامل

مطاردة الإخوان وعودة «عبدالناصر».. مهمة عاجلة في أفريقيا


على الخارجية المصرية، ومسئوليها، العمل الفوري من أجل إتمام أخطر مهمة في القارة الأفريقية، وهي مطاردة فلول الإخوان، وإعادة البريق لاسم جمال عبد الناصر،  فما زالت أصابع التنظيم الدموي تلعب في القارة السمراء، وبالفعل نجحوا في محو اسمه في بعض الدول؛ باعتباره خصمًا تاريخيًّا لهم، ولا يزالون يذكرون الستينات، وما حملته من أحداث مخزية للجماعة الإرهابية.


البداية يجب أن تكون بـ"موريتانيا" التي تمكن فيها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية -«تواصل»- المحسوب على الإخوان من الصعود إلى مركز صناعة القرار هناك، بدعم وتمويل من قطر وتركيا.

وحسب تقارير صحفية وإعلامية فإن الحزب الإخواني يقوم بـ"سرقة أموال الفقراء والتغرير ببعض الشباب"، ويتلقى بانتظام تمويلات تقدر بعشرات الملايين من الدولار من جهات ومنظمات إخوانية في قطر وتركيا، يتم تحويلها عن طريق بعض تجار التنظيم في موريتانيا وأنجولا.

ويمتلك تنظيم "الإخوان" في موريتانيا هيئات تتكفل بالعمل الفعلى لجمع المال ودعم الحركات الإرهابية، تستغل المجتمع المدني، في حين تفوض القيادة السرية التي تتولى القرار والثروة، الواجهة السياسية "تواصل" لتوزع الأدوار على أذرع التنظيم الاعتبارية والإستراتيجية والسياسية والنقابية والمالية والخيرية والروحية.

التنظيم يسيطر على مؤسسات تجارية كبيرة، ويتحكم في ميزانيات ضخمة تطال جميع المجالات التجارية من صيدليات ومحطات بنزين ومحال بيع الملابس والمواد الغذائية ووكالات تأجير السيارات وبيع العملات الصعبة في السوق السوداء.

"تواصل" استصدر فتوى هيئة تابعة له بضرورة دفع أموال الزكاة في صناديق لتمويل الحزب، وأصبحت زكاة المنتسبين، خصوصا من كبار التجار، توجه إلى تمويل الحزب بدلا من صرفها على فقراء المسلمين، ويتمثل المخطط، وتتوزع المسؤوليات داخل فرع التنظيم وحزبه وهيئاته المختلفة، بانسيابية ودقة.

زعيم الإخوان في موريتانيا هو برتبة أمير، ويتم تكليفه من طرف التنظيم الدولى، ويستعين بقيادات أخرى معينة بنفس الطريقة تزاول عملها في السر، ومن أبرزها "أمين سر الحركة"، و"رئيس لجنة الاكتتاب" و"مسئول الهيكلة" و"رئيس لجنة المناسبات"، و"المسئول المالي" و"رئيس لجنة استقبال الضيوف"، و"المسئول الأمني".

رئيس الحزب الإخوانى الموريتانى يباشر تسيير المنظمات النقابية التابعة للتنظيم، منها نقابات طلابية وعمالية، إضافة إلى هيئات حساسة من قبيل مركز شنقيط للمالية الإسلامية.

تنظيم الإخوان في موريتانيا أنشأ وتبنى عدة منظمات لتبييض الأموال والاستيلاء على الصدقات وأموال الزكاة الوافدة من الخليج، من أبرزها "الجمعية النسوية لمكافحة الفقر والأمية"، و"جمعية الإنارة لمكافحة الفقر"، كما يمتلك شبكة من المعاهد الصورية التي توكل إليها مهمة الاكتتاب، وإغراء الشباب في الأوساط الاجتماعية الهشة لتجنيدهم لاحقا في صفوف التنظيم. وكانت أول إنجازات الإخوان في موريتانيا؛ إزالة اسم "جمال عبدالناصر" من أهم شوارع العاصمة "نواكشوط".

ويخترق «شارع جمال عبد الناصر» العاصمة، كأشهر شارع في البلاد، ولكن الحكومة الموريتانية بدأت إجراءات تغيير اسمه لتزيل عنه اسم واحد من أشهر الزعماء العرب في القرن العشرين، وتعطيه اسم «شارع الوحدة الوطنية».

بدأت القصة عندما اقترحت لجنة وزارية معنية بتسمية الشوارع والأماكن تغيير اسم «شارع جمال عبد الناصر»، وإعطائه اسمًا مغايرًا، وأطلعت اللجنة وزير الداخلية الموريتاني أحمدو ولد عبد الله، الذي يرأس اللجنة، على اقتراحها، فوافق عليه.

وعقد الوزير اجتماعًا مع عمدتي تفرغ زينة ولكصر، اللذين يمر الشارع بهما، وأبلغهما بنية السلطات الموريتانية تغيير اسم الشارع الذي ظل محتفظًا به منذ بدايات قيام الدولة الموريتانية واستقلالها عن المستعمر الفرنسي، وعاصر جميع الأنظمة التي حكمت موريتانيا بغض النظر عن انتماءاتها الفكرية أو الأيديولوجية.

انقسم الموريتانيون ما بين مؤيد لقرار الحكومة ورافض له، وهو نقاش لم يخلُ من مسحة سياسية تقوم على الموقف من «جمال عبد الناصر» والتيار الأيديولوجي الذي ينتمي إليه، وهو تيار يملك جذورًا قوية في موريتانيا، ولكنه بدأ يتلاشى مؤخرًا أمام الصعود القوى للإسلاميين واليسار.

المدافعون عن الاسم القديم للشارع الأشهر في نواكشوط، قالوا إن أي تغيير له هو «اعتداء على ذاكرة المدينة»، حتى إن «تيار الطليعة التقدمية»، وهو تيار شبابي ذو توجه ناصري، أصدر بيانًا صحفيًا يتحدث فيه عن القرار، وقال إنه «خطوة مستغربة» من الحكومة الموريتانية.

وقال التيار الشبابي: «السلطات الموريتانية تعمل حاليا على إجراءات نزع اسم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر عن أهم وأشهر شارع في العاصمة نواكشوط، بعد أن عُرِف به طويلا، وانتزعه لمكانته في قلوب الموريتانيين كغيرهم من الشعوب العربية والأفريقية»، ودعا السلطات إلى «التراجع الفوري عن القرار».

شخصيات سياسية معروفة علقت على القرار، من ضمنها الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل» محمد جميل منصور، الذي كتب على فيس بوك إنه «ليس من المناسب أن نتعامل مع كل ما ورثناه من تاريخ الدولة الوطنية بعقلية التغيير، والتغيير فقط».

وقال ولد منصور في تصريحات دبلوماسية: «هناك أمور ورموز وأسماء تعود الناس عليها، وليس من اللائق محو هذه الذاكرة والإساءة للمناسبات التي أفرزتها»، قبل أن يشير إلى أن «الرئيس جمال عبد الناصر، رحمه الله، ليس محل اتفاق وله مؤيدوه ومنتقدوه، صارع البعض وصارعه البعض، لم يشتهر حكمه بحماية الحريات وقبول الآخر، ولكنه مع ذلك كان زعيما وطنيا وتحرريا طبع مرحلة من تاريخ العرب والأفارقة، وليس مناسبا ولا لائقا تغيير اسم شارع حمل اسمه».

أما أنصار تغيير اسم الشارع فقد تناولوا الموضوع من جهة أخرى، من دون أن يتطرقوا إلى مكانة «جمال عبد الناصر» أو يتخذوا منه أي موقف، مشيرين إلى أن «الوحدة الوطنية» تستحق أن تكون اسمًا لأشهر شارع في موريتانيا.

الشارع كان حاضرًا بشكل دائم في تفاصيل الأحداث البارزة التي عاشتها موريتانيا، والعاصمة نواكشوط بالتحديد، فعلى جادته يوجد مقر الإذاعة الرسمية التي كانت صلة الوصل بين الحكومة والمواطنين.

لقد كان «شارع جمال عبد الناصر» هو التسمية التي يتفق عليها جميع الموريتانيين، والعنوان الذي لا يجهله أحد، في مدينة تفتقد لنظام عناوين دقيق، فعلى ناصيته أعرق المؤسسات المالية من بنوك وسيطة، ومقر هيئة البريد التي كانت جسر الموريتانيين إلى الخارج، كما تتوزع على جنباته العديد من المؤسسات العمومية ذات التأثير الكبير.
الجريدة الرسمية