رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ماكرون والسيسيون أكثر من السيسي!


أثار المؤتمر الصحفي للرئيسين، المصري عبد الفتاح السيسي، والفرنسي إيمانويل ماكرون، جدالا لا يزال مستمرا في العديد من المواقع الإخبارية والفضائية، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان في مصر، على وجه الخصوص.

في مختلف القضايا التي تعرض لها الرئيسان، واستعرضها ماكرون، كان يتوجه بحديثه إلى الرئيس المضيف، لكنه فعل ذلك قليلا جدا حين تناول موقف فرنسا وهو يتحدث عن سجن نشطاء ومدونين وحجب مواقع. لم ينظر إلى الرئيس السيسي نظرة مباشرة ولا دار عنقه دورة كاملة، وهذا جزء من حديث الجسد لا ينفصل عن مضمون الرسالة. 

الحق أن ماكرون لم يفاجئ الرئيس السيسي بفتح موضوع القائمة التي جاء بها وفيها عدة أسماء لمدونين ومواقع جرى حجبها وسجن أصحابها، كما يقول. فلقد فاتح الرئيس السيسي في زيارته إلى باريس في أكتوبر من العام ٢٠١٧، وتناول معه ملف حقوق الإنسان، ووعد الرئيس السيسي نظيره الفرنسي ببحث الملف وتحسينه.

جاء ماكرون إذن ليتقصى ما جرى ضمن جدول أعمال أكبر، وهو جاء مضغوطا بمطالبات منظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، وبرر مفاتحة الرئيس في هذا الملف الحساس لمصر على وجه الخصوص، بأنه مخلص في احترامه لمصر ولن يكون مخلصا لها إن لم يتعرض لهذا الموضوع، وهو على كل حال أثاره بكل احترام لسيادة الدولة المصرية.

وكانت كلمته أن ملف حقوق الإنسان الآن أسوأ من عصر مبارك، ما أثار بثا واسعا في الفضائيات وموضع استهجان داخلي. والحقيقة أن مفهوم حقوق الإنسان صار مشبوها في العالم كله، وعلى وجه أخص في العالم غير الغربي، وفي منطقتنا نحن بالذات، وهذا المفهوم استخدم في الحرب الباردة لتفكيك الاتحاد السوفيتي الراحل، وتدمير الإمبراطورية السوفيتية من خلال تشجيع حركات الانشقاق، وتحريض وإيواء ودعم المنشقين إعلاميا. 

بل إن هذا الشعار البراق صار المظلة التي تحمي مجموعات المدونين، وهم في الاسم الظاهر معارضة، وفي الجوهر نشطاء مدفوعو الأجر، تراهم الدول ناشطين لإسقاطها.

مفهوم حقوق الإنسان في دولة مستقرة مثل فرنسا يعني حق التعبير ودولة القانون. المفهوم في مصر الخارجة لتوها من اضطراب سياسي أمني خطير، يعنى تثبيت مؤسسات الدولة وحمايتها، وتوفير الحياة الكريمة من صحة وسكن وتعليم وانتقال ورعاية اجتماعية. حرية التعبير في السنوات التي سبقت إسقاط نظام مبارك، كانت حرية تحريض. التجربة المريرة وبحور الدم البريء، ومخاطر تقسيم الدولة والتكلفة الاقتصادية الباهظة نتيجة تعطيل مرافق الدولة ومؤسساتها، كلها جعلت الأولوية للاستقرار. 

ربما كان الحرص على الاستقرار مبالغا إلى درجة الحد من شطط أقلام وحناجر، وربما كانت وقائع ما جرى لنا من فوضى وحرائق أنشط في الذاكرة وأقرب إليها من دواعي إطلاق حرية تعبير هي في الحقيقة حرية تحريض!

غير أن ذلك في جانب منه، لا يعني تشديد القبضة، وهذا في ظنى ما أراد ماكرون نقله بحياء وبفجاجة معا في المؤتمر الصحفي، وربما في الجلسة المغلقة.

إن وضع كل مصادر الإعلام تحت مظلة الدولة لن يفيدها في مسألة المصداقية وتبصير الحاكم. إعلام "ناصر" لا يصلح لإعلام السيسي.

على الجانب الآخر، كان الرئيس جاهزا للرد، وببديهة سريعة. وسرعة البديهة جاءت من إيمانه بأنه يعمل على سفينة تتلاطمها الأمواج الحارقة في المنطقة، وأن مفهومه لحق الإنسان هو حقوق المائة مليون مواطن على أرض مصر، وليس حق التحريض على الفوضى. 

فإيواء المشردين وسكان العشوائيات وبناء مساكن وتجهيزها بالمفروشات والأثاث والأجهزة وحياة صحية وحملات العلاج المجاني لـ ٥٥ مليون مواطن، تسبق جميعها ذلك في الأهمية والحيوية، ذلك الحرص الغربي الغريب على حق من يسمون بالمدونين، يسممون عقول الناس بالتحريض على الدول، وليس فقط على الحكام!

لا يجوز قط إغفال إعجاب جمهوريتي فيس بوك وتويتر، بردود الرئيس السيسي على فجاجة ماكرون.

في نهاية المطاف، ورغم الفجاجة، والجليطة، فإن العقلاء من حول الرئيس، ومن المؤكد أن الرئيس السيسي نفسه، سيعالجون الملاحظات التي أبداها ماكرون، وحتى لا يكون لأحد علينا مأخذ، ولأنها في نهاية الأمر مما يحبه الرئيس لوطنه ويحب أن يقترن بعهده.
السيسيون أكثر من السيسي.. هم حقا سبب كل حرق الدم هذا!

Advertisements
الجريدة الرسمية