رئيس التحرير
عصام كامل

والله زمان يا يناير


على أحد مقاهي الدقي، بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 25 يناير عام 2011، كنت ثالث ثلاثة صحفيين شباب طالما عانوا الأمرين في مشوار صاحبة الجلالة الطويل، ولم تكن المعاناة التي نعانيها شخصية بقدر ما كانت نموذجا مصغرا لمعاناة كبيرة يعيشها وطن بأكمله، التقط أحدنا «الشيشة»، وفجأة تسربت رائحة غريبة لمادة تحترق، بينما أشعر بارتفاع في درجة حرارة قدمي.


كانت المفاجأة المضحكة، أن قطعة فحم استقرت تحت حذائي، وعندئذ اكتشفت أن الرائحة هي نعل حذائي الذي طالته نيران الفحم المشتعل.. فجأة وبدون سابق إنذار تعالت الأصوات في شارع التحرير بأعداد كبيرة من الشباب يهتفون ضد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ورجاله، وجدنا أنفسنا نسير مع الشباب وبدوا منظمين للغاية، فهذا يهتف وهذا يكتب العبارات المطالبة بسقوط مبارك، وكان المشهد وقتها يؤكد أنه لا تراجع حتى تحقيق مطالب الثائرين.

حاول أحد الشباب الاحتكاك بضابط أمن مركزي يقف منفردا على كوبري قصر النيل، فتدخل الباقون بقوة للتأكيد على سلمية التظاهرات وتحضرها، دخل الشباب ميدان التحرير واقتربوا من ضابط يقف بجوار إحدى مركبات الدفاع المدني؛ وحذره الشباب بدعابة قائلين: «أوعى تعمل حاجة.. احنا اخواتك»؛ فبادرهم بابتسامه وكان مقاربا لأعمارهم؛ إلا أن ذلك لم يكن حائلا دون أن ينفذ التعليمات بإطلاق خراطيم المياه على المتظاهرين.

اتصلت بأحد الزملاء، حيث فرقنا التحرك وكان قد وصل إلى جريدته؛ فشدد على بضرورة العودة من ميدان التحرير بشكل فوري حيث إن عملنا الصحفي يقوم على التغطية الحيادية لأننا لسنا طرفا ضد آخر، قلت له بالحرف لقد خرج الأمر عن السيطرة والرئيس مبارك سينتهي؛ لأنني لم أعتد هتافات على النحو الذي أسمعه من قبل ضد نظام مبارك.. وحدث ما حدث من عزل مبارك ومحاولات تنظيم الإخوان اعتلاء الثورة إلى أن أكلمتها ثورة 30 يونيو في 2013.

خلاصة القول.. إن مصر قد شهدت ثورة شعبية عن حق، استغلها البعض ونافقها آخرون، وتاجر بها الاستغلاليون، وعلى اكتافها صعد «خبراء ومحللون سياسيون»، واستدعت الثورة استكمالها بشقيقتها 30 يونيو، لكنا عددا ليس بالقليل من المصريين بات اليوم يعاني ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، وظهرت عبارات «فين أيامك يا مبارك»، «الحزب الوطني كان لديه رجال دولة»..

هذه النغمة لا بد أن تعمل الدولة ورئيسها المنتخب من الشعب المصري على التخلص منها، على الفور؛ لأن جزءًا مما تعانيه مصر من مشكلات إلى الآن؛ كان نظام مبارك سببا مباشرا فيه.

إن الدولة الآن مطالبة بالحفاظ على شرعية ثورتي 25 يناير، و30 يونيو على السواء؛ بتأكيد مطالبهما بالعمل الجاد الدؤوب وإعلاء دولة القانون موضوعا وشكلا؛ فالمتربصون بالثورتين جاهزون بأبواقهم وتطاولهم وألسنتهم في دكاكين السب الخارجي في مصر وشعبها، فليعمل الجميع على تأكيد قيم العدالة الاجتماعية والحرية وتوفير الخبز، مع الحفاظ في نفس الوقت على الاستقرار.. وليحفظ الله مصر.
الجريدة الرسمية