رئيس التحرير
عصام كامل

البطن الطاهر ويوم الدموع السنوي


من الملاحظ في أكثر من مناسبة، قابلية الرئيس "عبد الفتاح" للتأثر الشديد، حين يرى إنسانا في موقف ضعف أو يُتم، أو اعتداء. تماما كما تأثر حين رأي الوطن في الحالات الثلاث: ضعفا ويتما وعدوانا لحد الاغتصاب. وفي تاريخ القيادات المصرية لم نر، علنا، قط دموع ناصر ولا السادات ولا مبارك، إلا ما كان بينهم وبين أنفسهم أو في حضرة موت أعزاء لديهم، لكننا رأينا كثيرا وجه الرئيس تختلج عضلاته، وعيناه تغرورقان بالدموع، ويقاوم أن تطفر، وأحيانا يعجز فتفر رغما عنه.


ذلك إنسان رقيق العواطف. لم تكن دموعه في عيد أبطال الشرطة المصرية هذا العام ٢٠١٧، سوى استمرار لدموعه من قبل حين كان على رأس مستقبلي أكفان وجثامين الشهداء في الأعوام العسيرة المريرة، ٢٠١٣، ٢٠١٤، ٢٠١٥. ٢٠١٦، ٢٠١٧ تلك سنوات المواجهة الشاملة.

ومن الملاحظ تراجع أعداد الشهداء والمصابين، مع توالي السنين ومع نجاح الخطة العسكرية الأمنية الشاملة، وتوجيه أقسى الضربات. وأمس وقبل عيد الشرطة الرسمي في الخامس والعشرين من يناير بيومين احتفلت مصر وقياداتها بالأبطال، من رحل، وهو حي يرزق الآن في جنات النعيم، ومن أصيب، ومن ينتظر الشهادة والجنة، ويسعى إليها فداء لمصر.

وهناك شعور عام بأن الدولة، والشعب أساسها متبرئة من يوم أعده الخونة لتدميرها، لكن لا تزال هناك مشاعر طيبة لشرفاء انخرطوا في ذلك اليوم على أمل تحسين الأوضاع، وبسبب من هذه المشاعر، يقبع بالدستور النص الخاص بأن الخامس والعشرين من يناير هو ثورة ولها عيد مزمن!

كيف يحب أغلب الشعب ثورة سودت حياتهم وقطعت أرزاقهم وأخرجت من مواسير المجاري الحشرات والهوام والبرصات، لتعتلي منابر المواقع، وتخاطب الرأي العام بجهل وهي سقيمة العقل معطلة العلم أساسا. هي خريجة بالوعات مصر، فكيف تتوقع منها عطاء ونورا أو إشراقا وجمالا، وقد تغذت على العطن والدفن والظلمات. وسيمر الخميس، اليوم لأنه عيد الشرطة وليس عيد الثورة، اتفاق عام جمعي صامت، وسيمضي من انخرطوا تدبيرا في حسرات وتبريرات، من نوع أصل سرقوه، أصل كنسنا الميدان، أصل اتغدر بنا، أصل الإخوان نطوا علينا وعليها وطوحونا!

سكوتكم وخجلكم ربما يقنع جموع الوطنيين بأنكم أغبياء مع حسن النية، لأنه لا يوجد من يحرق وطنا بهدف أن يعيد بناءه.

أبدا لم تقم لوطن قائمة إذ حطمها أبناء له خونة. والغريب أن الوطن ينهض ويستمر حين يكون ذلك من جهد خارجي صرف، إذ تتضافر كل عناصر الأمة وطوائفها لصد العدوان الخارجي!

ننعم اليوم بالأمان ونخرج ونسهر ونغط في السبات، وسياراتنا في أماكنها لم تسرقها غزة حماس وكلابها من إخوان الخيانة، ونساؤنا في أمان، وبلدنا يزداد شبابا ووهجا وجمالا، أما الأسعار والغلاء وسعار التجار ففى انتظار قبضة السيسي القاضية، تعالج الجشع من جذوره.

كل هذا الأمان تحقق بفضل دماء الأبطال من رجال الشرطة والقوات المسلحة، وبفضل دموع وصبر ووطنية الأم المصرية، البطن الطاهر الذي ينجب لتعطى أبناءها صونا لشرف الوطن.

التحية فرض عين لكل أم شهيد صابرة محتسبة، ولكل أب مكلوم، ولكل زوجة ترملت، لكي نعيش كلنا، نسعد بالأمان وبالدفء تحت الأغطية ومن حولنا أبناؤنا وأزواجنا وآباؤنا.
الجريدة الرسمية