رئيس التحرير
عصام كامل

فساد الموظف العام.. ومعايير الاختيار الغائبة!


مع الساعات الأولى لعام 2019 سقط رئيس حي مصر القديمة، واثنان آخران بتهمة الرشوة، نظير عدم تنفيذ قرار بإزالة مبنى مخالف في الحي مقابل مبلغ مليون جنيه رشوة، كدفعة أولى من أصل 2 مليون جنيه، وتفاصيل الواقعة يعرفها الجميع.


في عامي 2017/ 2018 سقط عدد من رؤساء الأحياء بتهمة الرشوة منهم على سبيل المثال: رئيس حي الرحاب والمستثمرين الشمالية بجهاز مدينة القاهرة الجديدة، ومدير إدارة الشئون القانونية بمدينة الرحاب، بتهمة تقاضي رشوة 200 ألف جنيه من صاحب أحد العقارات المخالفة بالمدينة.. ورئيس حي الموسكي، بتهمة تقاضي رشوة قيمتها 100 ألف جنيه من أحد تجار منطقة الموسكى، ليمنحه ترخيصا لممارسة نشاط تجارة الملابس..

وكذلك رئيس حي روض الفرج خلال تقاضيه رشوة 20 ألف جنيه من أحد المقاولين، مقابل تسهيل حصوله على رخصة هدم أحد العقارات القديمة، الذي قام بشرائه.. أما رئيس الحي المتميز بجهاز تنمية 6 أكتوبر فسقط بتهمة تقاضي مبلغ 100 ألف جنيه مقابل التغاضي عن تحرير مخالفات بناء للعقارات التي يقوم بتشييدها.. ورئيس حي الدقي لطلب وتقاضي مبلغ 250 ألف جنيه رشوة إضافة إلى وحدة سكنية قيمتها نحو مليوني جنيه.

وخلال هذه الفترة وقبلها بقليل سقط في بئر الرشوة وغياب الضمير وخيانة الأمانة وزير ومحافظ ونائب محافظ.. وبعض الأسماء في مراكز مرموقة وحساسة.. كانت النسبة الأكبر منهم يعملون في المحليات ولهم علاقة مباشرة بمخالفات البناء وقرارات الهدم، والسماح بالبناء بالمخالفة للشروط المرعية وغض الطرف عن الملاحقة حتى يكتمل البناء ويصبح واقعا!

محافظة القاهرة كانت وما زالت صاحبة النصيب الأكبر من رؤساء الأحياء الذين سقطوا بتهمة قبول الرشوة، رغم أن المحافظ السابق للقاهرة قال في بداية عمله واجتماعه مع رؤساء الأحياء – الذي سقط فيه هذا العدد منهم - إنه لا تستر على فساد، وإن المحافظة تعمل على تطهير نفسها من الفاسدين والمرتشين، من خلال التعاون الكامل مع الأجهزة الرقابية، وكذلك فعل المحافظ الحالي..

وأصدر نفس التوجيهات وشدد على ذات التعليمات، وزاد عليها بإصدار أوامر لا تقبل التأجيل بضرورة استكمال حصر العقارات القديمة بكل حي وتحديد القرارات الصادرة لها سواء ترميم أو تنكيس أو إزالة والعمل على تنفيذها!

المحليات هي بيت الداء ومرعي الفساد والفاسدين ويبدو أن المحافظين –رغم تشديدهم– يعرفون أن تعليماتهم سوف تصطدم بمنظومة فساد لا تقوي على هزيمتها، وربما يقولون بينهم وبين أنفسهم هذا ما وجدنا عليه آبائنا، وأنه ليس في الإمكان أبدع مما هو كائن!

المدهش أن المحافظين –كل المحافظين– لديهم مجموعة تصريحات مقولبة لا تخلو من عبث التكرار بلا فائدة مثل: (حملات كبري ومكثفة على المقاهي غير المرخصة، ورفع عدادات المياه والكهرباء منها وتشميعها، وحملات لإزالة الإشغالات من على الأرصفة، وحملات لرفع القمامة من الشوارع).. وغير ذلك الكثير ومع ذلك لا نتيجة من ذلك..

وإذا حدثت حملة وأزالت بعض المخالفات يعود الحال إلى ما كان عليه في اليوم التالي وأسوأ!

الأكثر دهشة هو ما قاله أحد نواب البرلمان ورئيس لجنة من لجانه عندما طلب أن تكون الإسكندرية هي المحطة القادمة لتطهيرها من فساد رؤساء الأحياء، فهي مليئة بالقيادات الإخوانية، وأيضا تكتظ بخاربي الذمم أصحاب المصالح الفاسدة، وأنه إذا ما قامت الرقابة الإدارية بتفتيش مفاجئ لمدة ساعة واحدة فقط، ستضبط ما لا يقل عن 50 قضية رشوة بعدد بعض رؤساء الأحياء الشهيرة بالفساد والرشوة والمحسوبيات والمخالفات الإدارية!

عندما يقول ذلك نائب في البرلمان ولا يفعل شيئا له علاقة بتشريع صارم يوقف هذا الفساد فنحن أمام مشكلة تتعلق بغياب المسئولية وتذكرنا بكلمات قيلت من قبل في البرلمان أن الفساد وصل للركب ولم يحدث شيء، بل استمر حتى أصابنا بالاختناق!

كل التحية والتقدير لهيئة الرقابة الإدارية التي تصل الليل بالنهار لكشف الفاسدين وملاحقتهم وتقديمهم للعدالة، مهما كانوا ومهما كانت حيثياتهم، وكل الشكر لدعم الرئيس لهم وإصراره على مواجهة الفساد والفاسدين.

نعلم أن الفساد ينتشر ويزيد كلما غابت الحوكمة في مصالحنا ومؤسساتنا، وكلما غابت معايير أختيار المسئول خصوصا في المحليات وما شابهها التي تتقاطع فيها المصالح ويُهدر فيها المال العام بالمليارات، لذلك أقول:

* هل آن الأوان لوضع معايير حقيقية عند اختيار الموظف العام طبقا لبطاقة الوصف الوظيفية التي تحدد شروط شغل الوظيفة العامة؟

* هل آن أوان إعادة النظر في تعيين اللواءات المتقاعدين في وظائف رؤساء الأحياء وهم لا يملكون خبرة في شئون المحليات بالإضافة إلى خروجهم من حالة الانضباط التي كانوا عليها وهم بالخدمة، وهل آن أوان اعتبار وظيفة رئيس الحي وظيفة مهمة وحساسة بدلا من إعتبارها مكافأة أو منحة نهاية خدمة؟

ستظل مشكلة الفساد في غياب المعايير وتعطيل تطبيق القانون، وستظل مطاردة الفاسدين مستمرة حتى يتم غلق الدائرة عليهم وهي معركة رغم خطورتها لكنها ممكنة والآن وقتها.
الجريدة الرسمية