رئيس التحرير
عصام كامل

نائب رئيس مجلس الدولة: الدستور كشف طرق هدم دور العبادة وإعادة بنائها

مجلس الدولة
مجلس الدولة

أكد المستشار حجاج مبروك نائب رئيس مجلس الدولة، إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، رددته الدساتير المصرية جميعها  بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها، أو تقيد ممارستها.


وأشار إلى أن مبدأ المساواة وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة للحقوق جميعها، إلا أن مجال أعماله لا يقتصر على ما كفله الدستور من حريات وحقوق وواجبات، بل يمتد فوق ذلك إلى تلك التي يقدرها المشرع.

وكشف خلال بحث أعده عن مدى جواز هدم كنيسة وإعادة بنائها إذا كانت صور التمييز المجافية للدستور يتعذر حصرها إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون.

وشدد  أنه بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونًا للانتفاع به،  فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين وتساووا بالتالى في العناصر التي تكونها، استلزم ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنتظمهم.

وأكد أنه يجب على المشرع أن يتدخل دومًا بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوى المراكز القانونية المتماثلة، أو لمداركه ما فاته في هذا الشأن، ولما كان من الأمور البديهية أن كل من المسجد والكنيسة يتساويا في كون كل منهما دار عبادة مخصصة لممارسة الشعائر الدينية، ولذا يقع على عاتق الدولة تيسير سبل ترخيص ترميمهما، أو هدمهما، أو بنائهما، ودون أي تمييز، فإن التمييز في شأن ما تقدم لا سند له من الدستور أو القانون.

وأوضح أن الدستور جعل من التمييز بسبب الدين أو العقيدة أو غيرها من صور التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، ولذا يقع على عاتق الدولة اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بالقضاء على التمييز أيًا كانت صورة أو أشكاله، فهو في كل الأحوال من الأمور البغيضة، والجرائم النكراء، ولا يجب أن تكون مصر بعد ثورتي 25 يناير -30 يونيو، كما كانت قبلها، بل يتعين أن تستلهم مبادئ ثورتها المجيدة، ونضال شعبها الأسطوري،  لتكون نبراسًا لها عند وضع التشريعات، وأن تتخذ من السبل والإجراءات ما يجعل من تلك المبادئ الدستورية العظيمة واقعًا ملموسًا يعيشه الشعب المصرى صاحب السيادة في الوطن من خلال ممارسة الجهات الإدارية لسلطاتها المحكومة بالدستور والقانون.


وأشار أن تزيل كل ما من ِشأنه أن يحض على الكراهية أو يستبعد الآخر، وأن تُعلّى من قيم المساواة وتكافؤ الفرص بين مواطنيها ، وأن تكون دولة ديمقراطية قوامها إعلاء مبدأ المواطنة، فالمواطنة مبدأ دستورى وإسلامي أقرته الشريعة الإسلامية الغراء، والمواطنة في صورتها المتفق عليها معمول بها في دساتير العالم الإسلامي وقوانينه، ومنها الدستور المصري الذي ينص في المادة الثانية منه على مرجعية الشريعة الإسلامية.

وأضاف أن الإسلام رسخ مبدأ المواطنة منذ أربعة عشر قرنًا؛ وهو ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة المنورة التي نصت على التعايش والمشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون النظر إلى الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أخرى، ولما كان الإسلام دينُ التعايش، ومبادئه تدعو إلى السلام، وتُقِرُّ التعددية، وتأبى العنف؛ ولذلك أمر بإظهار البر والرحمة والقسط في التعامل مع المخالفين في العقيدة ؛ فقال تعالى: " لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" الآية 88 من سورة الممتحنة.

وذكر أن النص القرآني قد ورد بالمحافظة على دور عبادة أهل الكتاب، وضمن لهم سلامتها، وحرَّم الاعتداء بكافة أشكاله عليها، وجعل جهاد المسلمين في سبيل الله سببًا في حفظها من الهدم وضمانًا لسلامة العابدين فيها ؛ فقال تعالى: " وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا" الآية 40  من سورة الحج.

وأشار إلى أن إقرار الإسلام لأهل الكتاب على أديانهم، وممارسة شعائرهم، يقتضي إعادتها إذا انهدمت، والسماح ببنائها، وعدم التضييق عليهم في ذلك، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين عبر تاريخهم وحضارتهم منذ العصور الأولى المفضَّلة.

وذكر أبو عمر الكندي في كتاب " الولاة والقضاة ": " أن موسى بنَ عيسى واليَ مصر في عهد الخليفة هارون الرشيد أَذِن للنصارى فِي بُنْيان الكنائس التي هُدِمَتْ، فبُنيت كلُّها بمشورة الليث بْن سعد وعبد الله بْن لَهِيعة. وهما أعلم أهل مصر في زمنهما-، وقالا: "هُوَ من عِمارة البِلاد" واحتجَّا بأن عامة الكنائس التي بِمصر لم تُبْنَ إلَّا فِي الْإِسْلَام فِي زمَن الصحابة والتابعين".، وبذلك جاءت السنة النبوية الشريفة.

وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب، وأساقفة نجران، وكهنتهم، ومن تبعهم،  ورهبانهم : «أَنَّ لَهُمْ عَلَى مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْ بِيَعِهِمْ وَصَلَوَاتِهِمْ وَرَهْبَانِيَّتِهِمْ، وَجِوَارَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ألَّا يُغَيَّرَ أُسْقُفٌّ عَنْ أَسْقُفِّيَّتِهِ، وَلَا رَاهِبٌ عَنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلَا كَاهِنٌ عَنْ كَهَانَتِهِ، وَلَا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلَا سُلْطَانِهِمْ، وَلَا شَيْءٌ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ ؛ مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا فِيمَا عَلَيْهِمْ، غَيْرَ مُثْقَلِينَ بِظُلْمٍ وَلَا ظَالِمِينَ» أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "الأموال" (ص: 244، ط. دار الفكر).
الجريدة الرسمية