رئيس التحرير
عصام كامل

يعلن الرئيس مبادرة فتهرول الحكومة: أين كنتم أصلا؟


لا بد أن يبدأ بها الرئيس ومن بعده تهرول الأجهزة كافة. يقول افعلوا أو احلموا أو ابدأوا أو اقرأوا أو تعالجوا أو اجمعوا أو.. تبرعوا، فتهرول من بعده الأجهزة كافة! تراث فرعوني ملكي جمهوري ناصري ساداتي مباركي سيسي!


تظل الأجهزة في حال من النوم، أو التوهان، أو الانشغال بالتفاصيل ومناقشة جزيئات النواة، ومتابعة أحوال العالم الآخر، فإذا نفخ الرئيس في تغريدة، أو أطلق بيانا، أو احتد في جمع لافتتاح مشروع، وهو الحقيقة يحتد من وطأة توهان الذين لا يعملون، رأيت الوزراء والكبراء والخبراء قفزوا من مخادعهم وخرجوا من شرانقهم وفركوا عيونهم من شدة الدهشة، وتضيء نظراتهم بروعة الاكتشاف!

ما إن خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي ببوست على الصفحة الرسمية له، حتى وقع طبل وزمر وركض وهرولة، وجرت ولا تزال تجرى، اجتماعات لتنفيذ الدعوة الإنسانية بأن يجتمع الناس والمجتمع المدني والوزارات لمواجهة الفقر الداهم في المناطق الأشد فقرا.

مبادرة الرئيس السيسي اسمها حياة كريمة. الآن يعمل المسئولون والشركات والمتبرعون، على أن يعيش المطحونون حياة آدمية. سقف وصرف وأكل وشرب وكساء ودواء. قبل هذه الدعوة أين كان مجلس الوزراء؟ أين كانت وزيرة التضامن الاجتماعي؟ أين كان المحافظون؟ أين كان نواب القرى المسحوقة، المسحولة فقرا؟

لم يكونوا، حتى كان الرئيس.
كل المبادرات الإنسانية كان وراءها هذا الرجل الإنسان. هو من قال: حرام والله نعيش وأهلنا يعيشون في العشش والجحور، وبني لهم البيوت المحترمة مزودة بالفرش والتجهيزات. هو من قال لا قوائم انتظار للعمليات الجراحية. وهو من قال لا للفيروس سي، والعلاج بالمجان، وهو من قال ببرنامج ١٠٠ مليون صحة للكشف والعلاج المجاني لجميع المواطنين! ونفذت الحكومة وهرول الوزراء..

هذه هي الطريقة التي يفكر بها رئيس الجمهورية. من أين تأتيه الأفكار؟ من الإحساس بالناس، ومن المعايشة، ومن حفظ أرقام وإحصاءات البلد في شتى مناحيها أو على الأقل الإلمام بها. حين تملك الخيال تملك الطريق نحو الحلول. يتمتع السياسي بالخيال، فيمتلك القلوب. حنان أي سياسي يصير خداعا إن لم يقترن بفعل. سياسيونا لا يخادعون بالطبع لكنهم معدومو الخيال للأسف الشديد.

يتساءل الناس: "طب لو ماكانش الريس عبد الفتاح قال لهم وفروا حياة كريمة للغلابة اللي الفقر والجوع والعرى والبرد بينهش في جتتهم.. كان حد من الوزارات اتحرك؟".

الرئيس لا يخترع. الرئيس يحس، ويفكر، وبيده الأمر فيأمر. تخيلوا لو أن وزيرا معنيا، أو رئيس الحكومة المهندس مصطفى مدبولي أو السيدة غادة والي.. بادروا بمثل هذه البرامج الإنسانية، كم كان الشعب سيفرح بهم، ويراهم أصحاب رؤية، وسباقون لا تابعون.

تؤلمك عبارة كهنوتية موروثة من عصور ايزيس واوزوريس حتى عصر السيسي: تنفيذا لتوجيهات وتعليمات السيد الفرعون، ومولانا السلطان، وجلالة الملك، وفخامة السيد الرئيس؟
حسنا، الذي سيؤلمك أكثر أن أولادنا وأحفادنا ستطالعهم هذه العبارة الكسولة المقيتة الدالة على شغل عقليات بلا خيال، ترى نفسها ظلا لا شمسا، تمشي وراء الحاكم خطوات، ظنا أن الحاكم يغار فيخسف بها الأرض!

كلا! ما أحوج الرئيس إلى من يعاون ويبتكر ويتخيل ويحلق وينفذ. شغل اربط الحمار مطرح صاحبه ما يريد، وشغل وانا مالي، وشغل حاضر أوامر.. لن يختصر الزمن، والزمن هو المعركة التي يخوضها رئيس حالم، محكوم بسقف دستوري لثمان سنوات!
طبقا لتوجيهات السيد الرئيس تم إيقاظ السادة الوزراء من السبات العميق!

اصحوا.. وتجاوزوا دعوة رئيس البلاد بأن توفروا عملا ومشروعات إنتاجية للشباب والرجال والنساء في هذه المناطق التي يفترسها الفقر. الإحصائيات مرعبة : ٣٢ مليون فقير مطحون في مصر معظمهم في الصعيد.

الأمر كارثي، لا يحتاج إلى مبادرة فحسب، بل مشروع قومي لحفظ كرامة الصعايدة بالعمل، وتخليص الغلابة منهم من براثن العوز.
الجريدة الرسمية