رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة في التسامح.. مرافعة جريئة في وجه التعصب


يحتفل العالم باليوم العالمى للتسامح في السادس عشر من نوفمبر كل عام وهي مناسبة سنوية تحتفي بها الأمم والشعوب والمجتمعات من أجل ترسيخ قيم وثقافات التسامح واحترام الآخر، ونبذ كل مظاهر التعصب والكراهية والتمييز، فهو يوم لاحترام ثقافات ومعتقدات وتقاليد الآخرين وفهم المخاطر التي يشكلها التعصب. وقد اخترت عنوان مقالى "رسالة في التسامح" وهو عنوان رسالة للفيلسوف "جون لوك" ألف هذه الرسالة باللغة اللاتينية (1632ـــ 1704) وقد تم طبعها في هولندا سنة 1689، وترجمت في نفس العام للإنجليزية. 


وتتلخص دعوة "جون لوك" للتسامح بقوله: ليس للإنسان السلطة في أن يفرض على إنسان آخر ما يجعله أن يؤمن به أو أن يفعله لأجل نجاة روحه هو، لأن هذه المسألة شأن خاص ولا يعني أيّ إنسان آخر، إن الله لن يمنح مثل هذه السلطة للإنسان، ولا لأية جماعة، ولا يمكن أي إنسان أن يعطيها لإنسان آخر فوقه إطلاقًا".

ويمكننى أيضا عزيزى القارئ أن أعرض لك مضمون الرسالة كاملة بصورة موجزة هدفها نشر التسامح والتعايش وهى تتضمن في الحقيقة أفكار "جون لوك" الأساسية الواردة في ثنايا رسالته في التسامح بمفاهيم رئيسية، هي:

لا بد من التمييز الدقيق بين مهمة الحكومة المدنية، وبين مهمة السلطة الدينية، واعتبار الحدود بينهما ثابتة لا تقبل أي تغيير.. أي هنا عزيزى القارئ دعوة واضحة للفصل بين الدين والسياسية، وقد رأى أيضا "جون لوك" أن نجاة روح كالإنسان هي أمر موكول إليه هو وحده، ولا يمكن أن يعهد به إلى أية سلطة مدنية أو دينية. ورأى أيضا أن لكل إنسان السلطة العليا المطلقة في الحكم لنفسه في أمور الدين. ودعا إلى حرية الضمير مبينا أنها حق طبيعي لكل إنسان.

ودعا أيضا "جون لوك" إلى احترام الآخر واحترام عاداته وتقاليده وثقافته، وأرى أنه من الضروري احترام الآخر وليس من الضرورى أن أعتنق ما يعتقد وما يؤمن به هو، احترام الآخر ونبذ التعصب والانغلاق هو الطريق إلى إرساء قيم التسامح، ولو نظرنا إلى الفيلسوف الفرنسي "فرانسوا ماريفولتير" (1694 – 1778) باعتباره رائدا أيضا في التنوير والتسامح يقول فولتير:

"إن التسامح لم يتسبب قط في إثارة الفتن والحروب الأهلية، في حين إن عدم التسامح قد نشر المجازر على وجه الأرض. وإن الاتباع المتعصب والأعمى لرجال الدين حوّل أقوالهم البشرية إلى شرائع مقدسة، لكن ذلك السلوك أدى إلى المجازر، ودعا في مقاب لذلك إلى تعليم الفلسفة، وهي من نزعت السلاح من أيدي منغرقوا في معتقداتهم الباطلة، فأفاقت العقول البشرية من سباتها". 

وأرى هنا دعوة ملحة من فولتير إلى استخدام العقل وإعمال التفكير لنشر السلام والتسامح وأراها دعوة جريئة ومرافعة تاريخية في وجه التعصب الذي ينشأ عند البعض من رجال الدين، فهى دعوة ملحة إلى احترام الآخر المختلف واحترام العقل بل دعوة هامة إلى تجديد الخطاب الدينى وفهم وتأويل النصوص الدينية فهما موضوعيا، لأنه بالضرورة هذا يجعلنا نقف من جديد إلى دعوة تجديد الخطاب الدينى لنشر قيم التسامح، فهل من مجيب وهل من مستمع لهذه الدعوة أم أن الحديث عن الحوار وتجديد الخطاب الدينى يندرج تحت حوار الطرشان.. رسالة في التسامح رسالة إلى من يهمه الأمر.

الجريدة الرسمية