رئيس التحرير
عصام كامل

مهرجان المبدعات في الانحطاط!


الحقيقة أن الواحد مستغرب جدا، بل مندهش دهشة تكاد تلد فلسفة جديدة توائم الخيبة المستجدة والسائدة في حياتنا اليوم في مصر ما بعد الخامس والعشرين من يناير، ولا تزال مستمرة حتى الآن ولا أحد يعلم إلا الله إلى متى سوف تستمر الحالة الخائبة السوداء التي تأخذ بخناق المجتمع وجعلت الناس لا يكادون يميزون بين القبح والجمال! بل يصفقون لكل رديء.


حين يختلط على الإنسان في أي مجتمع بشري إحساسه تجاه ما هو جميل فيظنه قبيحا أو العكس، فهذا مؤشر على وجود علة قومية في جهاز الإحساس الوطني.

قبل يومين أقيم في الإسماعيلية الجميلة موقعا وطبعا وشعبا، مهرجانًا أطلق عليه أصحابه مؤتمر المبدعات العرب، ومن عجب أن الرعاة هم من كبار وصغار المحطات الفضائية والصحف القومية وحاجات من تحت السلم، والتكريم كان لمبدعات لا علم لأحد بهن، ولا بتاريخهن، وارتدين من الملابس ما هو أقرب إلى قمصان النوم الفاضحة! أبدعن في كشف الصدور والسيقان، إبداع عوالم الدرجة الثالثة.

ناهيك عن قبح الذوق والتعري والوجوه والماكياج، كأنك في فرح حواري عتيقة!.. بالطبع لا يوجد تفسير للعبقرية التسويقية التي نجحت في استغلال فكرة وشعار المهرجان وإقناع صحف كبيرة محترمة ومحطات محترمة ومش محترمة في تسجيل أسمائها كرعاة لمهرجان مبتذل، وجد من الدعم ما لم يجده مهرجان القاهرة السينمائي، مع شيء من الجهد والصبر يمكن في الحقيقة العثور على تفسير نهائي لنجاح تسويق مهرجان القبح... هو أن الرعاة أنفسهم جزء من منظومة القبح الإعلامي والمهني والفني.

ليس المهرجان المبتذل هذا وحيدًا ولا فريدا ولا بدعة في التدني والانحطاط الجمالي، بل هو بدوره مجاراة ناجحة جدا للقبح ذاته الذي دافع عنه منحطو الذوق في تماثيل للنجم البار بوطنه محمد صلاح، وللملكة نفرتيتي، وللمصرية الراكعة في مدخل مدينة كأنها لا مؤاخذة.. في حمام بلدي!

انحطاط حاسة التذوق الجمالي هو ذاته السبب وراء لهاث مواقع وصحف وبرامج ومنتج لحمة كبير للابتهاج بأحدث منتج فني واطي حقير في حياتنا.. لشابين يقدمان القئ للناس بوصفه ترويقة دماغ! حتى أسمائهم يعكس الحقارة..

المصيبة القائمة حاليا هي الرغبة في الهروب من الأزمة المعيشية القاسية بالانخراط في الغيبوبة.. واللطم والعويل أو إطلاق الزغاريد في مولد عام وصاحبه غائب، المجتمع في حالة زار، وطبل وزمر جنائزي أو هيستيري، طبيعي جدا أن يأتي يوما تصبح فيه تحية الصباح هي صباح الشر.. بدلا من صباح الخير.. وإبداء الإعجاب بالجمال يصبح يا لروعة القبح! لماذا؟ لأن ميزان القيم انقلب وانكفأ، اليوم يتم اختيار الأقبح علما وذوقا ولغة وكفاءة لينصح ويدبر ويدير.

ماذا تتوقع من قبيح أن يعطي، ومن بذيء أن ينطق ومن جاهل أن يعلم ومن سقيم الذوق هابط الشعور أن يحس وأن يصير قدوة في تناسق الذوق والألوان؟

هي بكل وضوح فترة منحطة في الذوق العام، الاختيارات كلها تتفق مع القاع ولا تتسق مع القمة، صعب أن تتوقع من فأر أن يشم زهرة أو يتلون بلون السماء.

الأفاعي الموجودون حاليا يتلونون بألوان الأرض وأوراق الشجر بالغابات. مهما اكتسوا فهم أفاع وسحالي، شكلهم ربما.. لكنه سقيم وقبيح ومنحط.
الجريدة الرسمية