رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا حضر الأهلي ووجبت الهزيمة؟


لم يكن فريق النادي الأهلي وحده على موعد متفق عليه مع الهزيمة، ذهب ومعه تسعون مليونا ينتظرون نصر وفوز وفرحة، فوجدنا الفشل على الناصية.. ناصية باتساع أرض الملعب في تونس، تلقى الأهلي في مرمى أحلام المصريين ثلاثة أهداف تونسية نظيفة وملعوبة وجميلة وفيها فكرة.


لم تكن واقعة الأهلي والترجي التونسي مجرد مباراة.. الحق أنها كانت معركة حربية بكل معنى الكلمة، من ناحية الأجواء النفسية والإعلامية والأمنية، نفسيا كان المصريون يتمنون فرحة وليلة سعيدة وكأسا مذاقه البهجة، وتسجيلا جديدا في دفتر البطولات، كذلك بالقطع كان الأهلي النادي يرغب إعلاميا، لم يدخر الإعلام لسانا ولا صورة في الشحن والتعبئة والتذكير بالماضي البطولي، أمنيا نزل الجيش التونسي لتأمين المباراة وحماية أرواح الفريق المصري.

جماهيريا كانت طوبة من نصيب دماغ اللاعب هشام محمد.. وهذا كله هو أقل ما يمكن تصوره من عواقب وخسائر في مباراة حضرها أكثر من ٥٥ ألف جندي تونسي، عفوا أقصد مشجع تونسي، كان الحقيقة في الملعب لا في المدرجات، فأربكوا الفريق المصري، وكعبلوه ونثروه هنا وهناك.

لم تكتمل للاعبي النادي الأهلي هجمة واحدة، ولا شوطة واحدة ولا تمريرة واحدة، كان أنفار الفريق يتساقطون واحدا بعد الآخر إثر كل التحام مع التوانسة.. كما تتساقط جذوع الأشجار تقطع من عند الجذر!

يمكن القول أن الفريق المصري فاجأه الإصرار القتالي الشرس من جانب الفريق التونسي، على الفوز وجبر خواطر ملايين التونسيين، ويمكن القول بسهولة أن فريق النادي الأهلي كان جاهزا للخسارة، خطة اللعب تكشف أن المدرب الفرنسي واصل بإصرار عجيب تنفيذ خطة الهزيمة التي ألزم بها الفريق في الشوط الأول.

انتهى الشوط في آخر دقائقه وثوانيه بإحراز أول هدف لفريق الترجي التونسي في مرمى أحمد الشناوي الذي كان أداؤه كارثيا في هذه المباراة، الخطة الدفاعية انهارت لأنه لم يكن هناك مدافعون وفق مهارات وانسجام وذكاء، الحق أن الدفاع المصري لم يزد عن تطفيش عشوائي للكرات التونسية إلى تدفقت كالسيل على خط دفاعي مهتز، وحارس مرمى بذل أقصى جهده يمينا ويسار ووسط شبكة مرماه.. لكن تم اختراقه.

المشكلة ليست في الهزيمة على مرارتها.. المشكلة هي كيف تتوقع الفوز بينما كل مؤهلات الفشل والخسران ساطعة أمامك، وتصرخ أنها موجودة بل تطلب تغييرها، ليس من حقك طلب الفوز، وقد جهزت مسرح العمليات للهزيمة، ولو بحسن نية!

الإصرار على توقع النجاح من مقدمات فاشلة لون من ألوان الغباء في الإدارة، رياضية أو حربا أو حتى موقفا عاطفيا.

من أجل هذا أشفقت على أصدقاء كثيرين كانت الجلطات تراود شرايين قلوبهم، وتحولت وجوههم إلى جمرات من الغيظ والكمد، وانعقدت ألسنتهم تحت ضروس وأسنان مطبقة!.. الرياضة لون من ألوان الحروب، كرة القدم معركة تحل فيها العقول لتحرك الأقدام بديلا عن السيوف والسكاكين في الغابات.

تلك غريزة القتال التي خلقنا بها، لابد من إشباعها بهذا الطريق المتحضر، إن لم يتم الإشباع فوزا استيقظت الغريزة البدائية سيولا من الجماهير، تهبط إلى أرض الملعب أو تتقاتل في الشوارع وعلي أسوار الاستادات، كلما ارتقى الإنسان فهم أسباب فشله، وحول طاقة الغضب القتالية إلى طاقة مراجعة وإعادة بناء.

كان الفشل الأهلاوى أول أمس درسا يستوجب النظر، وإعادة الهيكلة وبناء الأحلام وفق تضاريس الواقع، أما الفريق التونسي فكان يلعب، ولم يغب حلمه عن عينيه وقدميه، لذلك رأيناه زائرا متكررا عند عتبات الشناوي، ولم نر حارس مرماه إلا مرات خاطفة.

النصر عقيدة والفشل عقيدة، الأهلي نزل المباراة مهزوما.. حتى وهو منتصر في مباراته بالقاهرة على الفريق ذاته، انتصارا فيه ريب وشكوك، نتعلم مما جرى ونغير "سوفت وير" المدرب المتحجر والفريق غير المتجانس.
غاب الأهلي وحضرت الهزيمة.
الجريدة الرسمية