رئيس التحرير
عصام كامل

أحاديث أربعينية


بالأمس أتممت عامي الثاني والأربعين وأشرع بمشيئة الله، في ثالثهم، في خضم مرحلة الزحف نحو نهايات عقد الخمسين.

مع كل عام جديد في عمرى تتغير اهتماماتى، ويقل ولعى وشغفى بالأشياء، فلم يعد ما كنت أصبو إليه منذ عامين متاحا الآن، لم يعد الزهو والافتخار بالنفس، أو السعى لاكتساب المزيد من القوة والعنفوان هو المطلوب، فقط أدركت تمام الإدراك أننى أصبحت الحارس الأمين والمسئول عن تحقيق أحلام وطموحات زهورى الصغيرة التي تكبر يوما بعد يوم.


ربما أصبحت لا ألقى بالا بنوع الملابس مادامت نظيفة مهندمة، أكره الرسميات، وأعشق التلقائية، أصبحت لا أهتم أين أذهب لقضاء الوقت، المهم أن أختار المكان الذي يرتاحون فيه ويستمتعون به، وحينها فقط تتحقق لى المتعة بمتعتهم وسعادتهم.

أصبحت أميل أكثر وأكثر مع الأصدقاء إلى أحاديث «أربعينية» لما بعد مرحلة الشباب والفتوة، مع الاستمتاع بقليل من السمنة، التي لا أعيرها أدنى اهتمام سوى ما يضمن لى صداقتى الودودة برفيقي السكر والضغط، مع العناق الدائم لكوب القهوة الصباحي، فأكتسب منه قليلا من الحكمة وأجد به ملاذا.

أدرك يوما بعد يوم أن ما فات انتهى وذهب إلى غير رجعة، وأن القادم أيا كان عدد أيامه أو شهوره أو سنواته، هو مرحلة الصمت الطوعى، وعدم إكثار الحديث واللهو، مرحلة التشبث أكثر وأكثر بالأسرة والزوجة والأولاد.

أصبحت ملتزما أكثر بقواعد الحياة من حولي، في العمل وفي محيطي الاجتماعي، أطلق ابتسامة ود دائم على شفاهى لكل الناس، وأحيانا أيضا قليل من الفظاظة اللبقة المنمقة، مع من يسيئون لى أو حتى يفكرون.

أصبحت أتمسك بشعرة معاوية، وبخير الأمور الوسط، وقليل من التروى فيما لا يستدعى التعجل، فلقد انقسم العمر إلى نصفين، نصف حياة فتية قبل الأربعين، ونصف آخر ينتظر حياة شابة هادئة بعدها، ولكن بميزان العقل والحكمة والمتعة المشروطة، وفيها يزداد النشاط المقاوم للكسل والخمول، والسعي والعمل أملا في غد أفضل، ومع كل هذا يزداد التعلق برحمات الله.

الجريدة الرسمية