رئيس التحرير
عصام كامل

جليطة وطنية.. كيف يُقتل أخوك وفي بيتك زغاريد؟!


يوم الجمعة الماضي كان يوم قلة الذوق في مصر، وتفتت الإحساس وشحوب حاسة الألم والتوجع!.. يوم الجمعة استشهد منا سبعة مصريين وأصيب ٢٢ مصريا، فتح الكفار الإرهابيون الرصاص العشوائي على أتوبيس وميكروباص كان يقلهم إلى دير الأنبا صموئيل.. على بعد خمسة وعشرين كيلو مترا على الطريق حيث الصحراء..


يوم الجمعة كان ماتش الأهلي والترجي التونسي.. ويوم الجمعة كانت نغمة التمهيد الإعلامي للحدث الكبير في شرم الشيخ، منتدى الشباب العالمي، بدأت تعلو.

بالطبع بمجرد وقوع الجريمة الإرهابية امتلأت صفحات فيس بوك بالسواد، تنعى الشهداء من الإخوة المسيحيين، وتطالب بالثأر، وتنعى على الدولة تقاعسها لوقوع الحادث في الموقع ذاته قبل أقل من عام!

مع اقتراب موعد المباراة تراجعت بوستات الحزن، وارتفعت رايات تشجيع الأهلي، كأنما لا يوجد ميت في البيت المجاور لبيتنا!

مع أحداث المباراة.. وسوء التحكيم لصالح الأهلي.. كانت مذبحة المنيا تمضي بهمة في اتجاه الغروب، وانشغلت الصفحات بالنقد أو الزغاريد.

مع فوز الأهلي، نسي المصريون دم مصريين آخرين وتبادلوا التهاني.

ويوم السبت.. تصدح الاحتفالات بالمنتدى العالمي للشباب، وتشق صرخات الألم حجب السماء تدميها حزنا على الأطفال والكبار والنساء الذين قتلتهم داعش بثقة وطمأنينة إذ انفردت بهم على مدق غير المدق المحظور أمنيا!.. مع دفن الصناديق.. بدا كأن المصريين خلوا إلى كباريه!

والحق يجب أن يقال ساطعا وبلا تردد، أن هذا هو منتهى الجليطة الوطنية، وانعدام الشعور، وهو عمل يراد به أن يصير الأمر معتادا، وأن تطوى صفحته..

ولاحظوا جيدا أنه مع سقوط شهداء مصريين، مسلمين أو مسيحيين في عمليات تطهير سيناء، عزف الإعلام عن التعريف بالشهداء وأسمائهم وكيف استشهدوا، لأن واضع السياسة الإعلامية يعتقد أن ذلك يجعل صورة البلد خارجيا طيبة وأن الأمور هادئة، لكن الحق أن التعتيم على قصص استشهاد الأبطال، يميت جذوة الشعور القومي، فحين كانت القصص تنشر والصور تذاع ويتم لقاء الإعلام مع أهالي الشهداء، كانت تخلق بذلك مجلسا عاما مصريا تتوحد فيه القلوب والمشاعر، سرادق وجع قومي، لا يجوز فيه أن يشذ مجنون بإطلاق زغرودة!

يوم الجمعة ويوم السبت زغرد مجانين وانحرفت مشاعرهم لأن السياسة الإعلامية، ولا يجوز وصفها بالسياسة أصلا، منحرفة وجاهلة!

ندرك بالطبع دقة وحرج التوقيت للجريمة والحدث العالمي في شرم الشيخ، وهو بالتأكيد مدبر وممنهج ومحسوب ومطلوب، لكن كان على الدولة أن تظهر حزنا يليق بالدماء المصرية الطاهرة.

هذا تقصير لا يمكن تبريره أو التماس أي عذر له، وهو تقصير جعل بعض المشاعر المصرية، لن أقول المسيحية، تعلن غضبا منفلتا نال حتى مكانة البابا تواضروس الذي نحبه ونجله.

المعالجة الإعلامية الرسمية، ومعالجة المواقع الصحفية تقول إن الشهداء والمصابين أقباط أو مسلمين، وهذا صحيح ولا تجاوز فيه، لأنهم كانوا في سبيلهم إلى زيارة دير الأنبا صموئيل.. لكن الأصح دوما، ومن اليوم فصاعدا، أن نتحدث عن المسيحيين بوصفهم مواطنين مصريين كانوا في طريقهم للصلوات أو زيارات الأديرة، علينا أن نكف عن استخدام لغة الفرز والتصنيف، لأن تكرارها الغبي يكرس الاختلاف ليصير خلافا.

أما على المستوى الأمن، فنظن أن الأمن سيتحسب كثيرا للدروب الثلاثة المواجهة للحدود مع ليبيا، والمفضية إلى الدير الذي شهد الطريق إليه ثاني مذبحة في بضعة أشهر، من هذه الدروب تتسرب قوافل الكفار الدواعش.

نعم هم كفار، يأبى الأزهر أن يكفرهم لكن أعمالهم هي الكفر بذاته، وعلى الإعلام المصري والمجتمع المصري أن نقرن اسم الدواعش بالكفر. هم الكفار أبدا.. وليس نحن.

زمان كنا نلغي أفراحنا إذا مات جار لنا في الشارع الخلفي حتى!
عليه العوض فينا..

الجريدة الرسمية