رئيس التحرير
عصام كامل

أجندة سيد الأهل


ظلت تلك النظرة تشغلنى، حاولت كثيرا أن أسطر وقعها على نفسى، كانت تلك هى المرة الأولى التى أرى فيها عينين بمثل تلك القسوة، كان ذلك يوم السبت 29 يناير 2011 عندما صادف أن تواجدت أمام قسم الجيزة، كانت النيران قد تعالت ألسنتها والجموع تهرول إما باتجاه القسم، أو خارجة منه، وهى تحمل كل ما تمكنت من حمله، رأيته حينها وهو يقف بجوار غنيمته، وقف ورأسه للأعلى كالمنتصر لتوه فى معركة حامية الوطيس، متنبها لأى محاولة من الآخر للسطو على الغنيمة والتى لم تكن قيمتها فى ثمنها، يكفى أنه هدم صرحا للظلم ارتسمت معالمه على حياته الماضية من قهر واستعباد، ووقفت لبرهه أنظر فى عينيه، وكأنه لا يشعر بشىء سوى تلك النشوة التى أطلقت نظرته والتى لم تفارقنى حتى اللحظة، ورغم تلك الأشهر التى مرت من عمر الثورة، إلا أن النظرة دائما ما كنت تعاودنى، وفى عودتها كنت أحاول قراءة خلفية هذا الذى أسموه "بلطجى"، حتى إذا وقعت فى يدى رواية "أجندة سيد الأهل"، للروائى أحمد صبرى أبوالفتوح والصادرة إبان الثورة عن دار العين، فإذا بى أدرك كنة ما شغلنى طيله تلك الأشهر، فالرواية تتحدث عن عرفة صابر سيد الأهل البلطجى الذى استخدمه النظام السابق لضرب الثورة، وراعى الأديب كون الثورة تكتمل معالمها بعد فجعل الثورة فى خلفية المشهد، مبحرا فى شخصية عرفة سيد الأهل، راصدا لتلك النفسية التى غفل عنها البعض، ومن ثم سلطت عليها الأضواء فى الآونة الأخيرة بعد أن تصدرت تلك الشخصية المشهد الثورى المصرى.

أحداث الرواية تدور ما بين يوة 25 يناير حتى يوم 2 فبراير، وتفتح تلك الأحداث الباب أمامنا لندرك أبعاد هذا العالم الخفى الذى كان يتكئ عليه النظام السابق فى توطيد أواصر حكمه، مستخدما إياه فى ضرب معارضيه والقضاء عليهم، يبحر بنا أبوالفتوح داخل نفسية هذا البلطجى، حتى يصل بنا لاكتشاف الحقيقة التى تغافلنا عنها دائما، وهى أن هذا البلطجى مجرد إنسان أوقعته الجبرية الحياتية فى هذا العالم المؤلم، فكيف أن صابر الأهل والد بطل الرواية عجز عن تدبير تكاليف عملية زراعة الكبد لأنه العامل البسيط الذى لا تكترث له عجلة الرأسمالية الطاحنة، ويموت صابر سيد الأهل ويترك خلفه ذرية ضعافا، ومن ثم تخصخص شركة المراجل البخارية التى كان يعمل بها وينعدم الأمل أمام عرفة فى أن يحل محل أبيه فى تلك الشركة، فيهيم على وجهه طارقا كل سبل الرزق حتى يتكفل بأمه وإخوته، وحتى يتمكن من توفير تكاليف دراسته فى كلية الحقوق، وعلى طريقة رواية حتى لا يطير الدخان يبدأ عرفة فى شراء الحشيش لرواد مقهى الإنترنت الذى يعمل فيه، ثم يتطور الأمر ليبتاع لنفسه الحشيش ومن ثم يبيعه للآخرين، وتتوسع تجارة عرفة حتى يضيق به عضو مجلس الشعب صفوت بيومى وتاجر المخدرات المقرب من دوائر أمن الدولة، فيستغل نفوذه للزج بعرفة سيد الأهل فى طريق من لا يرحم، ويبدأ ظابط أمن الدولة بمساعدة رئيسه عاصم الإمام فى الضغط على عرفة ليشى بأصدقائه فى الجامعة من شباب الجمعية الوطنية للتغيير وكفاية وشباب 6 إبريل، غير أن هذا الفتى الذى تربى فى بيت المناضل الماركسى والعامل صابر سيد الأهل أبى أن يشى بأصدقائه، ما سبب حيرة للأمن الذى يرى تاجر مخدرات يحتفظ ببعض القيم ويدافع عنها، فى الوقت الذى تناسى فيه الأمن أن هذا البلطجى تحول لما هو عليه نتيجة ظلمهم وفسادهم الذى وضع العمال والبسطاء تحت أرجل الصفوة التى تحكم مصر بمفهوم التكية، ويبدأ عرفة سيد الأهل فى وضع أجندة تحوى تلك الأسماء التى كانت سببا فى القضاء على حياته وتحويله لبلطجى، بداية من عضو مجلس الشعب ومرورا بظابط أمن الدولة الذى كان يتلذذ بهتك عرض رفاعة أمام أعين الجميع ووكيل النائب العام عبدالعزيز القياتى الذى أبى أن يستمع لشكوى رفاعة وانصاع لأوامر الأسياد ليتكالب عليه جميع الطغاة، ومن ثم تأتى الفرصة بفتح الأقسام أمام البلطجية ليخرج رفاعة إلى الشارع، ويجد يمناه ويسراه محملتان بالأسلحة والذخائر التى تركها الظباط وعساكر الدرك فى مخازنها وفروا.
الجريدة الرسمية