رئيس التحرير
عصام كامل

تركيا و«خاشقجي»!


آخر شيء تريده تركيا في حادث مقتل "جمال خاشقجي" هو العدالة ومحاسبة المتورطين في عملية قتله.. والدليل على ذلك هو السلوك التركي منذ وقوع هذا الحادث في بداية الشهر الماضي.. فقد اكتفت السلطات التركية في البداية بالصمت وعدم الحديث في الأمر، بينما اعتمدت أسلوب التسريبات الصحفية.. أي تسريب معلومات ليس إلى الصحافة والإعلام في تركيا فقط وإنما في العالم كله، خاصة في أمريكا.


ولذلك ساد معظم ما نشر وأذيع حول الحادث الاعتماد على المصادر المجهولة.. كانت تركيا تلوح بذلك إلى أنها تمتلك معلومات ويمكنها أن تعلنها.. وهذا أتاح لها بالطبع فرصة استثمار الحادث سياسيا وابتزاز السعودية.. وفيما بعد بدأ مسئولون في حزب أردوغان يطلقون التصريحات حول هذا الحادث، التي تضمنت معلومات حوله، وجاء ذلك مقترنا يتوعد بكشف الحقيقة كاملة وضرورة إعادة صياغة العلاقات التركية السعودية.

ثم دخل الرئيس التركي أردوغان بنفسه حلبة هذا الابتزاز للاستثمار السياسي للحادث بأحاديثه وكلامه، الذي أعلن فيه ضمنا عدم قبوله لما أعلنته السعودية حول مقتل خاشقجي، بالإشارة إلى أنه يتعين محاسبة كل المتورطين في ذلك على أعلى المستويات، وطوال الوقت التزمت سلطات التحقيق التركية الصمت حول الحادث، رغم أن كل ما تم من تسريبات صحفية وإعلامية حول الحادث كانت تتحدث عما كشفته خلال تحقيقاتها! 

حتى جاء البيان الذي أصدره قبل يوم المدعي العام التركي، والذي أشار فيه إلى مقتل "خاشقجي" خنقا وبشكل مخطط والتخلص من جثته تقطيعا.. والملاحظ أن هذا البيان جاء في أعقاب زيارة قام بها المدعي العام السعودي إلى تركيا، والتي لم يصدر بعدها بيان أو حتى تصريح مشترك، رغم أن هناك من المفترض تحقيقات مشتركة، سعودية تركية، حول الحادث.

هذا سلوك تركي لا يستهدف العدالة، وإنما يبغي استثمار الحادث سياسيا وجنى أكبر المكاسب من خلال ابتزاز السعودية.. وهذه المكاسب ليست مالية أو اقتصادية فقط، رغم الحاجة الماسة لتركيا لها في ظل ظروف الاقتصاد التركي الصعبة، وإنما هي أيضا سياسية، وترمي إلى تغيير التوازنات في المنطقة لصالح تركيا بالطبع، من خلال العديد من الملفات، من بينها الملف السوري، والقطري، والإخوان.

وهو الأمر الذي لن يؤثر على السعودية وحدها، وإنما ستطال المنطقة كلها، ومصر في المقدمة منها.

وقد أعلنت السعودية رفضها للاستثمار السياسي لحادث مقتل "خاشقجي"، لكن الذي سوف يحميها أساسا من هذا الابتزاز التركي وغير التركي هو الاستمرار فيما بدأته، وهو المبادرة بكشف حقيقة هذا الحادث الذي وصفته القيادة السعودية بالبشع، لتقطع الطريق على المبتزين والراغبين في استثماره سياسيا.. وإن يتم ذلك بسرعة.. وفي ذات الوقت تقوي نفسها عربيا، وتتحصن بقوة الأشقاء العرب، وعلى رأسها مصر التي تعد القوة العربية الأولى، وإحدى القوى الإقليمية المهمة، حتى إن لم يدرك ذلك كاتب سعودي! 

أما تركيا فلها خططها التي تتعارض مع مقتضيات الأمن القومي العربي كله، وليس الأمن القومي المصري فقط.
الجريدة الرسمية