رئيس التحرير
عصام كامل

إلى المصحة النفسية أفضل!


وسط حالة السخط المحتقنة بسبب جشع التجار وبطء الحكومة في مواجهتهم، بل إغفالها عن سُعارهم حتى يصرخ الناس فتَتحرك، يوجد اتفاق عام صامت بين جموع المصريين على أن الإصلاح الاجتماعي لا يقل أهمية وضرورة عن الإصلاح الاقتصادي، بالطبع نحن هبطنا دون مستوى الأحلام في الإصلاح السياسي، لأن مقتضيات تثبيت الدولة تجعل الخوض في هذا الطيف نوعا من الذهاب إلى ثقب أسود يبتلع ما تحقق من استقرار كبير.


حين نقول بوجوب وضع خطة يعكف عليها علماء الاجتماع وعلم النفس وفضلاء المشايخ المستنيرين، وأساتذة إعلام حقيقيين، بعيدا عن عصبة الجهلة المتبجحة الواثقة من جهلها تبثه على الناس ضلالا وتضليلا، فإننا نقصد معالجة نفسية شاملة للمجتمع، وإعادة تأهيل كاملة للأخلاق، لكن هل من سينفذ يتمتع أصلا بالأخلاق؟ وهل من سينفذ مؤهل أصلا لعلاج الناس؟

الادعاء والزيف وثقة الجهلاء وتبجحهم لحد الوقاحة، بسبب حصولهم على أجور باهظة زرعت فيهم الثقة أنهم عباقرة مصر، كلها صارت أعراضا سرطانية منتشرة.

المجتمع يحتاج إلى مصحة نفسية كبرى، ولا غلو فيما أقول، الكذب متفش، الرشوة منتشرة، ويمارسها كبار كبار كبار حقراء، يفضحهم الله مع كل كبسة للرقابة الإدارية لكن لا يزال هناك من هم تحت الفضح، أو في الظلام. البلطجة والسفالة والبذاءة تسيطر جميعها على سلوكيات كثيرين، لقد عان المجتمع المصري مرتين..

فقد دخل في حالة تشنج هيستيري غوغائي بفعل أكاذيب فتنة وجريمة اسمها الخامس والعشرين من يناير 2011، وقتها قادت نخبة عميلة فاسدة جموعا من الدهماء والغوغاء وعموم الناس بينهم مثقفون حالمون وشرفاء بالطبع، إلى الشوارع تحت شعارات كاذبة، هدفها الهدم والتخريب.

والتعويم الثاني، وقع مع تعويم المسكين الجنيه المصري في مواجهة الدولار.. مع التعويم الأخير جرى إسقاط الطبقة المتوسطة.. إلى حزام رمادي بين الفقر وكبرياء التشبث بما كانت عليه من ستر، الفقراء أصلا والمفقرون وضعا وغصبا يصيبهم اليوم سخط عارم.. تضيق به صدورهم، وتنفجر به ألسنتهم، وتمتد به أذرعهم، وقبضاتهم، لعل هذا يفسر العديد من الجرائم الغريبة الشاذة التي نشاهد فصولها يوميا.. تصبح طعاما للهري اليومي ثم لا تلبث أن تموت مع يقظة جريمة أخرى أكثر بشاعة.

وإلى حين يمكن تدبير مكان مناسب للمصحة النفسية والاجتماعية لإعادة التأهيل، فإن هناك حلولا وقتية يمكن أن تهدئ من روع الشارع، وتحل به السكينة، منها ضبط المرور وتنظيمه، المرور مسئول بنسبة ٧٠ من حالة الغليان النفسي التي تمضغ أعصابنا، ننفخ ونغتاظ ونسب ونلعن ونتبارز بالسيارات على الطرق السريعة، ونطارد بعضنا البعض، وفي الاختناقات نبذل المستحيل لنحك بعضنا بعضا ليمر أحدنا قبل الآخر ويسبقه بمتر ويحطم له مرآتك، وتقع المعركة وتنفجر أقذع الألفاظ.

ومن عجب أن الجميع وقد سب الأم والأب والدين يهرول إلى السجادة ويقيم الصلاة! نعم المرور سر الاحتقان فإذا تم ضبطه انتظمت أنفاس الناس وانتظم وقتهم ومواعيدهم وتوفر بنزينهم وأموالهم القليلة.

لن ينتظم المرور بلواءات تراقب مطالع الدائري والكباري فحسب لمنع التريلات نهارا، بل سينتظم حين يقلع أمناء الشرطة عن تمرير المخالفين في مطالع ومنازل الكباري والملفات!

وسينتظم نبض الناس حين تنضبط الأسعار ولا تترك الحكومة شعب مصر في مواجهة يومية مع اللصوص، لا يشبعون من المال الحرام، في إطار هذا كله ومتزامن معه، لا بد من خطة إعلامية كثيفة محددة تحبب إلى الناس نعمة الهدوء وتحضهم على التريث وتخرس صرخات الكلاكسات الغبية بسبب ودون سبب، وتكشف أوجه المحاسبة للمجانين والمتهورين وسارقي أعصاب وجيوب الناس.

تبريد المجتمع يبدأ من هاتين المصيبتين: فوضى المرور وجشع التجار وسعرتهم على الشعب.
الجريدة الرسمية