رئيس التحرير
عصام كامل

النازية في أمريكا: كل اليهود يجب أن يموتوا


"كل اليهود يجب أن يموتوا".. عبارة قاتلة صرخ بها بها روبرت باورز، 46 سنة، وهو يفتتح فاصلا من إطلاق النار على كنيس "شجرة الحياة" اليهودي، وهو معبد تاريخي، في بتسبرج بولاية بنسلفانيا الأمريكية، ليقتل أحد عشر شخصا، حتى وقت كتابة هذه السطور، بعد الحادث مباشرة، والرقم مرشح للزيادة. الحادث يفتتح بل يكشف عن فصل جديد من فصول الكراهية والتطرف الديني في الاتجاه الآخر بعيدا عن الإسلام المتهم دوما في الغرب بوصمة الإرهاب!


يجيء حادث إطلاق النار وقتل 11 يهوديا من بين أكثر من مائة يهودي كانوا يؤدون شعائر السبت اليهودي، في ختام أسبوع عاشت فيه الولايات المتحدة موجة رعب بسبب سلسلة من الطرود الناسفة تلقاها قياديون بارزون في الإدارة الديمقراطية السابقة للرئيس باراك أوباما. بل كانت مرسلة إليه هو شخصيا، وإلي وزيرة خارجيته هيلارى كلينتون، والى نائبه جو بايدن، وأيضا إلى مدير مخابراته جون برينان، وإلى أعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ؛ فضلا عن النجم العالمى روبرت دي نيرو الساخر الساخط على حماقات رئيسه. وتوجت سلسلة الطرود الناسفة بطرد متزامن إلى شبكة CNN الأمريكية.

وقبلها بأسابيع ثلاثة تحدث البنتاجون عن سلسلة طرود تحمل مادة كيماوية غاز "الرايسين" وصلت مبنى فرز البريد بوزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، وفي كل الأحوال تم اعتراض هذه الرسائل الناسفة والكيماوية ولم تبلغ مشاريع ضحاياها! تركيز الطرود على الديمقراطيين وعلى شبكة ال (سى إن إن )، يعنى أن كل معارضي ترامب هم في مرمى القتل، بالتسميم أو بالنسف!

ولا يبذل الرئيس ترامب أي جهد لتخفيف لهجة العداء تجاه جميع وسائل الإعلام الأمريكية، التي يعتبرها وسائل تضليل، وأنه نجح في بلوغ الحكم رغم أنفها. قاتل اليهود الثمانية هو جزء متمم من الأجواء العنصرية التي تفرضها سياسات دونالد ترامب الانتقائية في جميع المجالات، وهي سياسات تركز على أنصاف الأغنياء، والتضييق على الأقليات والمهاجرين، وإشاعة مناخ من الترصد والعداء والمطاردة.

شخصية الرجل بذاتها متفجرة ولايمكن التنبؤ بتصرفاتها، وهي شخصية قابلة للاستهواء، والاندفاع في مسار معين ثم الرجوع إلى مسار مواز أو مخالف، راجعوا موقفه من أزمة مقتل جمال خاشقجي.

بالطبع تنفست الاقلية المسلمة في أمريكا الصعداء، لأن القاتل العنصري رجل أبيض مسيحي، أو على الأقل ليس مسلما، وإلا لذاقوا المرار ألوانا. لماذا الآن ارتفعت وتيرة الهجوم داخل الولايات المتحدة، وضد أحباء ترامب، وضد أعداء ترامب؟

يحدث العنف السياسي الداخلي حتى في أكثر الديمقراطيات حزما واستقرارا، حين يعكس أداء الزعيم مذهبية عرقية، أو دينية أو حزبية، أو جموحا يلقى الرضا والتشجيع من العناصر الفوضوية. ولأن صفة الفوضوية هي التي صارت الآن لصيقة بإدارة ترامب ذاته، فإنه لا عجب أن تتسرب تلك الروح الشاردة محملة بالعنف لتجتاح الشارع السياسي الأمريكي.

في الأسبوع الماضي وقعت خناقة عنيفة وبأقذر الألفاظ داخل البيت الأبيض، على بعد أمتار قليلة من مكتب الرئيس ترامب. الشجار العنيف كان بين كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي وبين جون بولتون مستشار الأمن القومي لترامب.. يعكس هذا كله شعورا بعدم احترام القيادة الموجودة، بل يهاودها كثير من الوزراء، إذ ينفعل ترامب ويصدر أوامر وقرارات عصبية متعجلة، ثم يهمسون لبعضهم البعض أن لا شئ مما قاله الرئيس يجب الأخذ به!

التخبط داخل البيت تسرب إلى خارج البيت، إلى الشارع الأمريكي، ولا يمكن فصله عن التخبط في السياسة الأمريكية الخارجية. لا يمكن أيضا فصل اجواء العنف الداخلي، سياسية ودينية عنصرية، عن موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس بغرفتيه، الشيوخ والنواب، والموعد يوم السادس من نوفمبر.

يستميت الديمقراطيون للفوز بالأغلبية في هذه الانتخابات، ويستميت الجمهوريون أيضا للفوز بها.. وهذا مطلب طبيعي لكليهما، لكن الدوافع مختلفة بالقطع. فالديمقراطيون يريدون الفوز بالأغلبية ليعزلوا ترامب باتهامات عديدة.. والجمهوريون يريدون الفوز بالأغلبية ليمنعوا عزل ترامب، ومواصلة السياسات الأمريكية داخليا وخارجيا.

لكن.. هل حادث إطلاق النار على اليهود، ومن قبله، الطرود الكيماوية، والطرود الناسفة، هي نهاية المطاف؟ أم تراها المشهد الاستهلالي؟! عنف البيت الأبيض.. هو المتغير الرئيسي فيما يحدث فيهم وفينا!

الجريدة الرسمية