رئيس التحرير
عصام كامل

«خاشقجي» وكارثة المعارضة في دول العالم الثالث


للأسف الشديد، إن تفاصيل قضية مقتل الكاتب السعودي «جمال خاشقجي» تعرض وباختصار مدى السذاجة والتخلف الذي ما زالت تتعامل بها دول العالم الثالث مع المعارضة والمعارضين، والنظر إليهم على أنهم مجرد مجموعة من الخونة والعملاء، يهدفون إلى زرع الفتن والقلاقل وزعزعة نظام الحكم، وهو ما يستوجب ضرورة التنكيل بهم والتخلص منهم، سواء بتكميم الأفواه أو الاعتقال أو حتى القتل مثلما حدث مع «خاشقجي».


وهو المنظور الذي يختلف للأسف مع ما هو موجود ومتبع في دول العالم المتحضر، الذي أرسى منذ سنوات قواعد راسخة للحكم، تقوم على أساس الديمقراطية وتداول السلطة، جعلته بالتبعية ينظر إلى المعارضة على أنها «جزء لا يتجزأ من النظام» بل عين النظام التي لا يرى بها، والتي تكشف أوجه العيوب والقصور، ليس من باب الخيانة والعمالة والإفساد وإشاعة الفوضى، ولكن للارتقاء بالبلاد، والوصول بها إلى ما هو أفضل، انطلاقا من قناعة تؤكد «أن الجميع ـ حكومة ومعارضة ـ شركاء وطن واحد»، وأنه لا توجد دولة متحضرة تحيا دون معارضة.

وحتى لا تختلط الأوراق، أؤكد أنني هنا، بصدد الدفاع عن «المعارضة الوطنية الشريفة» وليس «الإرهابيين» أو من يتبنون أفكار التطرف والعنف، أو من يعملون لصالح جماعات أو منظمات لا هدف لها سوى السيطرة والهيمنة على البلاد، أو إسقاطها لصالح قوى خارجية، لأن الفرق شاسع للغاية في التعريف بين الفريقين.

للأسف، إن فضيحة التخلص من «خاشقجي» لم تكن الأول ولن تكن الأخيرة في سلسلة التنكيل بالمعارضة والمعارضين في دول العالم الثالث، بل سبقتها العشرات من جرائم القتل والاختفاء لعشرات الشخصيات، لا يزال مصيرهم مجهولا منذ سنوات.

ففي 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1969 تم التخلص من السياسي المغربي «المهدي بن بركة»، الذي كان من أشرس المعارضين في بلاده، بعد أن تم اختطافه من قلب باريس، واختلفت القصص والروايات عن طريقة قتله ومكان جثمانه، إلا أن الثابت حتى الآن، أنه لم يعثر على جثمانه، لم توجه أصابع الاتهام بشكل صريح إلى من قام بقتله أو اختطافه.

وفي 10 ديسمبر (كانون الأول) عام 1993 تم اختطاف «منصور الكيخيا» وزير الخارجية الليبي الأسبق، من أمام فندق سفير بمنطقة الدقي بالقاهرة، بعد مشاركته في اجتماعات مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وكان «الكيخيا» قد استقال من منصبه اعتراضا على ممارسات نظام القذافي، وتحول إلى أشد معارضيه، وقام في عام 1992 بالتأسيس لميثاق لوحدة المعارضة الليبية، مما دفعت نظام القذافي إلى التخطيط لاختطافه والتخلص منه.

ومنذ 13 ديسمبر (كانون الأول) عام 2013، ومصير الحقوقيين السوريين «رزان زيتونة، وائل حمادة، وسميرة خليل، وناظم حمادي» مجهولا، بعد اختطافهم من مدينة «دوما» بغوطة دمشق، بعد توثيقهم للانتهاكات الوحشية التي قام بها "النظام السوري، وقوات المعارضة، وقوات جيش الإسلام»، وحتى الآن لم توجه أصابع الاتهام للجهة التي قامت باختطافهم، أو تحديد إن كانوا على قيد الحياة، أم تم التخلص منهم مثل غيرهم من النشطاء والمعارضين في دول العالم المتخلف.

أعتقد أنه قد آن الأوان أن ننظر إلى المعارضة والمعارضين كقوى وطنية شريفة، وجزء لا يتجزأ من كيان الدول، يتفقون ويختلفون من أجل الصالح العام، وليسوا «عملاء» لابد أن نهوى بهم إلى أسفل السافلين، خاصة أن الثورات التي شهدتها المنطقة، جعلت لا مكان لـ«سياسات الإقصاء»، وأن التجارب أثبتت أنه ليس هناك نظام في العالم عمل دون معارضة، إلاّ وفسد، وأنه لا ديمقراطية بلا معارضة، ولا تقدم لدولة تتآمر على المعارضين.
الجريدة الرسمية