رئيس التحرير
عصام كامل

جثة في المزاد.. لكن أين الجثة أصلا؟


جثة أم جثمان؟ الجثة تكون لقتيل، الجثمان يكون لمتوفٍ، مات ميتة ربنا، سكتة قلبية، سرطان، فشل في عضلة القلب، هبوط حاد في الدورة الدموية، عادة موتة ربنا تكون هادئة، على الفراش في البيت أو على الفراش في العناية المركزة!


هل قتل "جمال خاشقجي" إلى رحمة الله؟ أم تُوفي إلى رحمة الله؟

ثم إذا كان قُتل أو تُوفي فأين أين جسم الجريمة أو جسد المتوفى؟

عشرات الأسئلة تلح وتفرض نفسها حتى على المتعقل الذي يكره أن ينال السعودية أي سوء، والحقيقة أن الجنازة حارة ودولية والميت لا يستحق كل هذه التكلفة الباهظة حاليا ووشيكا ومستقبلا، لكن ظروف الوفاة أو القتل حتى الوفاة، والبيان الذي خرج من السلطات القضائية في الشقيقة السعودية، أتاحت جميعها لكل انتهازي مبتز أن يدلي بدلوه، وأن يحسب كم مليارا سيدخل خزانته!

لقد ألقى الحادث، قتلا في خناقة باللكمات، أو وفاة في اشتباك بالأيدي بينه ورجال قابلوه في مقر القنصلية السعودية بإسطنبول، بالمتعاطفين مع السعودية كبلد شقيق، والكارهين لإيذائها، كما ألقى بأطراف أخرى عديدة، في خانة الارتهان، حتى العواصم العالمية صارت رهينة تطورات الموقف الحرج.

أول الرهائن بالطبع كانت الإدارة السعودية بأكملها، من رأس المملكة مرورا بولي العهد الذي ذكر اسمه كثيرا وعنيفا في هذه المصيبة، حتى ضباط في الاستخبارات السعودية، منهم أحمد العسيري نائب الجهاز الذي أطاح به الملك سلمان ضمن خمسة كبار فجر أول أمس، يمكن القول إن السلطات السعودية أطلعت الإدارة الأمريكية أولا على النتائج الأولية للتحقيقات وأنها خناقة وتبادل لكمات، والأهم أن الأمير بن سلمان لا علاقة له قط ولا علم له مسبق بالواقعة.

الاطلاع السعودي المبكر لترامب، قبيل بث الخبر إلى وسائل الإعلام العالمية المتربصة، هو ما يفسر رد الفعل الهادئ والمتفهم من جانب ترامب، الذي علق على الرواية السعودية أنه يصدقها وأن الأمير ولي العهد بعيد وأنها خطوة أولى كبيرة وأن الملك لا يمكن أن يكذب عليه، لكن مقتل خاشقجي غير مقبول.

أبدى إذن تفهمه لكن ترك الباب مواربا لتبقى سكين الابتزاز مسلطة!

المعلومات الأخيرة التي نقلتها محطة "فرانس ٢٤" عن مصدر، قالت إنه قريب من التحقيقات أن الجثة نقلها سائق بالقنصلية ضمن آخرين إلى متعاون محلي، الأخير يكون تركيا، من أهل البلد عادة، فهل هو من أبلغ وفضح؟ وهل لا يزال هذا المتعاون طليقا، أم تحتجزه السلطات التركية ليكشف لها عن موضع التخلص من الجثة؟

الأتراك بدورهم لا يبدو أنهم راضون عن البيان القضائي السعودي، وأعلنوا أنهم بصدد إجراء تحقيق مستقل لبيان الملابسات الكاملة لقتل المعارض السعودي، هو معارض إخواني متشح بشعارات الغرب حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرهما من مسامير جحا!

ومن تأمل المشهد.. سيدهشك أو لا يدهشك أن جثة المرحوم صارت للبيع بأعلى سعر، مطروحة للمزاد، تحت مطر من دموع التماسيح.
الجريدة الرسمية