رئيس التحرير
عصام كامل

الثقافة لـ«الأغنياء فقط».. الأقاليم تعاني من غياب الفنون.. مثقفون: الإرهاب ينمو داخل البيئات المحرومة من السينما والمسارح.. «الكفراوي»: ثورة يوليو وراء التراجع.. و«السروري

الأديب سعيد الكفراوي
الأديب سعيد الكفراوي


"الثقافة لها شجون كثيرة، في رأيي أهمها هو تطبيق العدالة الثقافية، بمعنى أن تتاح الخدمة الثقافية لأي مواطن مهما كانت شريحته وطبقته ومستواه الاجتماعي، فقد أدى غياب العدالة الثقافية إلى شيوع الأمراض الثقافية، وشيوع التطرف والإرهاب والفقر الذهني وعدم القدرة على تطوير نوعية الحياة كما يحدث في الدول الأوروبية".. بهذه الكلمات افتتح الكاتب والباحث السياسي سامح فوزي مقالته المنشورة في صحيفة الأهرام منتصف أبريل الماضي، مرجعا سبب غياب هذه العدالة إلى اقتصار الثقافة على شريحة ومربع مجتمعي ثابت لا يتغير ويتبدل على مدار السنوات الماضية، كأن المجتمع يدور في دائرة مغلقة، على حد وصفه، تنتهي بانتهاء حدود المركز أو العاصمة، أيضا أصبحت الثقافة "باهظة الثمن" قاصرة على من هم فقط قادرين على تلبية احتياجاتهم الثقافية سواء بالقراءة أو الاطلاع أو بالذهاب إلى المسارح والسينمات التي تشكل نسبة تتعدى الـ90% منها في القاهرة الكبرى فقط.


مثقفون ونقاد أيدوا هذا الرأي القائل بضرورة كسر هذا النمط السائد والثابت منذ أكثر من ستين عاما، وضرورة إتاحة الخدمة الثقافية المصرية والعربية لكافة قطاعات المجتمع، سواء في الريف أو الصعيد أو البادية المصرية.

ظلم ثقافي
القاص والأديب سعيد الكفراوي، يرى أن الثقافة في مصر اختلفت كليا بمنحى وصل إلى 180 درجة مئوية، مع حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو عام 1952، عما كانت عليه خلال الحقبة الليبرالية التي سبقت قيام ثورة يوليو بسنوات، وبدأت تحديدا مع انطلاق وتفعيل دستور 1923، مرجعا ذلك لأن الثقافة في الحقبة الليبرالية اعتمدت قيم الدولة المدنية، كحرية الرأي والديموقراطية والتعددية الحزبية، وحتى بالعلم كقيمة حقيقية، مضيفا، "الناس مارسوا الثقافة في ظل مناخ يساعد على ازدهارها، وبالتالي في تلك الحقبة رأينا نخبة مصرية حاولت تغيير المجتمع للأفضل، في الفنون والآداب والعلوم، وترددت الأسماء التي مازلنا نرددها حتى اليوم كطه حسين ومحمد مندور وأم كلثوم ولويس عوض وغيرهم".

وأضاف" الكفراوى" لـ "فيتو": "لكن مع قيام ثورة يوليو 1952 غابت قيم الدولة المدنية، وأصبح الفرد هو الذي يدير الدولة بقيم مختلفة ومتعددة، تمجد الفرد والسلطة الحاكمة ولا يوجد اهتمام بالعلم، ويعلق قائلا: "وفي ظل هذه القيم والثقافات المتعددة نمت واستشرت قيمتان سلبيتان لم يكن لهما وجود في الماضي، وهما: "الاستبداد والفساد"، وتفاوتت أشكالهما وصورهما من فترة لأخرى، فعهدا جمال عبد الناصر والسادات كان لهما شكل وأيام مبارك صفة والآن صفة أخرى"، وأشار الكفرواي إلى أن كثرة التقلبات والتغيرات هذه أدت إلى ضياع وغياب القيم التي تتبنى الثقافة الحقيقية، ومعها لم يعد هناك وجود للمشروعات الحقيقية التي تنقل المواطن من الضرورة والإلزام والطاعة العمياء إلى الحرية.

وبرغم التردي الاقتصادي الذي عاشه المواطن المصري خلال الستين عاما السابقة، أكد الكفراوي أنه ما زال هناك أمل في الوصول إلى مرحلة ما قبل الثورة وعصر الازدهار الثقافي، مستندا بذلك على الازدهار الذي وصلت إليه مصر في عهد وزارة ثروت عكاشة وقت حكم عبد الناصر، وتخطيها حواجز سياسة الصوت الواحد، وأيضا ما تبعه فاروق حسني خلال توليه حقيبة الثقافة في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، من خلال إنشاء المتاحف والعروض المسرحية ومهرجان القراءة للجميع والمركز القومي للترجمة واهتمامه بالسينما والفنون الأخرى.

وأكد الكفراوي أن الحل الأمثل للعودة إلى العدالة الثقافية من جديد يتمثل في إعلاء قيمة الحرية، وقيم الدولة المدنية، وأن تعود الأحزاب لمجدها وتنهض تيارات الكتابة، ويتبنى المجتمع المدني الثقافة المصرية لتزدهر الثقافة والتعليم.

غياب العدالة
وأرجع الناقد الأدبي صلاح السروي، غياب العدالة الثقافية في مصر لأسباب السياسة الثقافية العامة للدولة، مشيرا إلى أنه منذ السبعينيات جرى تهميش الثقافة باعتبارها وسيلة لتنقية الوعي الجماهيري، لنجد المنحنى يتراجع بشكل كبير، حيث تخلت الدولة عن دورها في الإنتاج السينمائي والمسرحي مما فتح الباب أمام القطاع الخاص على النحو الذي رأيناه منذ السبعينات حتى اليوم من ظهور مسارح الكبارية واسكتشات الضحك والسخرية غير المقبولة طوال الوقت.

وأضاف السروي: "أيضا كان هناك دور للدولة في مجال النشر، وكانت هناك سلاسل كبرى تصدر عن الهيئة العامة للكتاب والدار القومية للنشر وثمنها لا يتجاوز القرش ويمكن لأي مواطن أن يحصل على الكتاب كما يشاء، بعد التراجع هذا لم يعد هناك إلا الهيئة العامة المصرية للكتاب ودار المعارف والدور الخاصة التي يصل ثمن الكتاب أو الرواية بها لأكثر من 150 جنيها فأصبحت الثقافة نخبوية، تحتكرها الطبقات العليا فقط، والمواطن البسيط لم يعد في مقدوره ملاحقة النمو المذهل في الأسعار منذ بداية الألفية هذه".

بُعد آخر كان له دور في غياب الثقافة لدى شرائح مجتمعية متعددة، يرتبط باهتمام الدولة ببيوت الثقافة الحضرية فقط، وتركزها على القاهرة والإسكندرية، أما باقي المراكز والأرياف فهي محرومة بشكل كامل من الخدمة ما يُحدث الفراغ الفكري للغالبية العامة للشعب المصري، وفي هذا الشأن يقول السروي: "هذا الفراغ عادة ما يملؤه أئمة المساجد والدعاة السلفيون، ومن هنا يمكن تفسير سيطرة الجماعات الدينية على أرياف وأطراف مصر ككل خاصة في مدن وقرى الصعيد، فأنا أعتبر أن تراجع اهتمام الدولة بشكل عام وانعدام عدالة التوزيع الثقافي بين العواصم والأقاليم يؤدي إلى ازدهار الأفكار غير الملائمة للمصلحة الاجتماعية، والإرهاب والتطرف لا يزدهران في واقع مستنير، وبالتالي تعد الثقافة بمعناها الراقي والحقيقي هي حائط الصد، وليس فقط تجديد الخطاب الديني".

المركزية وسيادة العاصمة
أما الكاتب والناقد حسين حمودة، فأكد أن هناك نوعا من المركزية حكمت تاريخ مصر كله خلال العصور القديمة والوسيطة، ولم تكن هذه المركزية سمة خاصة بالتكوين المصري فقط، وإنما كانت جزءا من تكوين المجتمعات النهرية كلها، أي المجتمعات التي ارتبطت بوجود نهر وبحكومة مركزية تقوم على تنظيم استخدام مياه هذا النهر، وبالتالي كان هناك دور كبير للعاصمة في تاريخ مصر كله، حتى لو تغيرت هذه العاصمة أو انتقلت من مكان إلى آخر.

وتابع حمودة: "ترتب على هذا أن أصبحت العاصمة مركز جذب للأقاليم المحيطة بها، ومركز اهتمام من ناحية الخدمات بما في ذلك الخدمات الثقافية، والحقيقة أنه مع تطور الحياة الحديثة أصبح هناك نوع غياب العدالة الثقافية وغير الثقافية، على مستوى الدولة المصرية، ومن الضروري توزيع الخدمات الثقافية وغيرها على الأقاليم المصرية كلها".

وأوضح حمودة أن الأطراف سواء في الريف أو البادية أصبحت في حاجة حقيقية لوصول الخدمات الثقافية إليها، ومن الملاحظ أن هناك ارتباطا بين هذه الأماكن المحرومة من هذه الخدمات وبعض الظواهر السلبية مثل الإرهاب والتطرف وانتشار الجرائم، وأفضل الطرق لمقاومتها تتمثل في العمل على التوزيع الثقافي العادل بين الأقاليم المصرية كلها ويمكن أن يتم توفير الكتب والخدمات بكميات كافية حتى تتوفر لهذه المناطق، والاقتراب من مشكلات الناس والحوار معهم وإتاحة الفرص الكافية لوجودهم ومشاركتهم واحتوائهم في الثقافة المصرية كلها.

على النقيض يعتقد الناقد الأدبي جرجس شكري، أن المواطن المصري وحده هو المسئول عما وصل إليه المجتمع من تراجع ثقافي وأدبي كبير، فخلال السنوات الأخيرة ــ وفقا لما أكده شكري ـــ يعاني المواطن من افتقار شديد للوعي الثقافي وأصبح يلفظ كل منتج ثقافي تقدمه له وزارة الثقافة المصرية.

وأضاف: "وصول أي خدمات للمواطن المصري من المفترض أنها مهمة هيئات الثقافة الجماهيرية أو ما يعرف بقصور الثقافة فهي المسئولة عن إيصال الخدمة الثقافية وجزء كبير من أهدافها إلى المواطن المصري في جميع أنحاء مصر، لكن من لا يحقق العدالة الثقافية في مصر هو الشعب نفسه، الذي يفتقر للوعي فحتى إذا وصلت إليه هذه الخدمات هو لا يتعامل معها، مكتبة الأسرة تطبع آلاف النسخ من العناوين وتصل لأماكن متعددة، ولكن لكي نناقش العدالة الثقافية لا يجب أن تتمثل في وزارة الثقافة، لأن أزمة الوعي سببها الأساسي أزمة التعليم، والمواطنين غير مهيئين للتعامل مع منتجات الوزارة".

الحل في وجهة نظر شكري يكمن في إصلاح البنية الأساسية للثقافة من خلال الحد من ظاهرة تقليص عدد المسارح في الأقاليم وقرى الصعيد، ويعلق قائلا "نعم هناك قصور ثقافة جديد يتم فتحها هذا صحيح، لكن إذا نظرنا إلى المسارح نجدها تتناقص مقارنة بأربعة عقود مضت رغم الزيادة السكانية، وباتت موجودة في مدن بعينها من العاصمة، ومساحة كبيرة متبقية تخلو منها تماما، فغابت دالة إيصال الفن المصري الحقيقي إلى جميع المواطنين وهو المسرح.

الجريدة الرسمية