رئيس التحرير
عصام كامل

«روح أكتوبر» أمل مصر للمستقبل!


ما زلنا في شهر الانتصار العظيم، السادس من أكتوبر 73، الانتصار الأول لمصر والعرب في عصرنا الحديث، وقد اهتم الإعلام بشكل ملموس بذكرى الانتصار، ولكن عندما نرى بعين المدقق فيما يقدم سنلاحظ الفقر الشديد في كل ما يقدم، الأفلام الثلاثة التي تم تصويرها على عجل بعد انتهاء الحرب مثل الرصاصة لا تزال في جيبى، بدور، الوفاء العظيم، وجميعهم لا يرقى مطلقا ولو من بعيد للحدث العظيم..


عندما واجهت الفنان الكبير محمود ياسين بهذه الملاحظة، قال: "انتصار أكتوبر حدث عظيم لا يمكن أن يعبر عنه ألف فيلم، ولكن ما قدمناه كان مجرد تسجيل لحظة تاريخية مضيئة في تاريخ مصر والعرب، لقد عملنا في أصعب الظروف ولم تكن المعركة قد انتهت، واستعان المخرج الكبير حسام الدين مصطفى بعدد من المخرجين العالميين ومديرين التصوير الأساتذة في محاولة لتقديم عمل يسجل لحظة الانتصار!".

الطريف أن العسكريين يعترضون على اسم هذا الفيلم، أكد لى اللواء حاتم عبد اللطيف أحد أبطال أكتوبر وبطل المعركة الشهيرة باسم المزرعة الصينية قال: "لو أن جنديا أو ضابطا احتفظ برصاصة في جيبه يحاكم عسكريا وكان لا بد مراعاة هذا مع التسليم بحسن نية المؤلف والمغزى الجميل من الاسم!".

لم يقدم التليفزيون عملا مميزا، عرض تسجيلات قديمة، بعض الحوارات الجديدة ينقصها المعرفة والوعى من المعد والمذيع، كما أن اختيار الضيوف كان بالبركة وأحيانا من منطلق "اللى تعرفه أحسن وأسهل من اللى متعرفوش"، لا أريد أن أقسو على المذيعين لأنهم لم يعاصروا ولم يقرأوا، فهم محدودو الوعى بهذا الانتصار العظيم..

في أحد اللقاءات قالت المذيعة وهى تعتقد أنها "فاهمة" وواعية: "احنا نسمع أن الطيارين المصريين كانوا بيخشوا في الطائرات الإسرائيلية!"، طبعا انزعج الضيف وحاول شرح ماذا يعنى معركة جوية..إلخ..

في برنامج ثان كان عنوان الحلقة "كيف ينظر شبابنا إلى انتصار أكتوبر" فإذا بالضيوف إحدى الناشطات السياسية وأمينة المرأة في أحد أحزاب اليسار وعمرها تجاوز الستين بكثير ومعها صحفية لا تعرف شيئا إلا الاستماع لقصص الناشطة عن دور المرأة في خلال حرب 73، وهذه الصحفية أيضا تقترب من الخمسين على أقل تقدير! ناهيك على الجهل في الحوار عندما يتحدث أحد الأبطال ويتم مقاطعته قبل أن يتم جملته التي يريد التعبير بها، لماذا مثلا لم يقم التليفزيون عدة ندوات كبرى يشارك فيها عدد من الأبطال وعلوم العسكرية والعلوم السياسية والتاريخ ويحضرها شباب من الجامعات، شباب مراكز الشباب، شباب العاملين في كل الوزارات..

شباب حقيقى من تراب مصر وليس شباب المتأنق التي صورهم في كل مناسبة، ويقدم التليفزيون أغنية "عاش اللى قال"، بصوت كورال وبنغمة أسرع مصاحبا بفيلم غريب، هذه الأغنية قيلت للرئيس أنور السادات أثناء حرب أكتوبر 73، ولكن الزج بصور الزعيم جمال عبد الناصر والرئيس عبد الفتاح السيسي غير مقبول ونوع من المبالغة في النفاق، أظن أن السيسي يرفضه، الملفت للنظر أيضا أن اغانى الستينات الوطنية وأغانى أكتوبر 73 هما الأيقونة التي تزين كل الإعلام المرئى والمسموع..

وهذا دليل فقر وانعدام الوعى لدى الجميع، وكأن هذا الانتصار لم يعد يهم المسئولين في الإعلام، ولم يعد يحرك الشعراء ولا المطربين ولا المسرحيين ولا....ولا...إلخ، أين إنتاج الإذاعة لهذا الانتصار؟ أين إنتاج التليفزيون!؟.. أين وزارة الثقافة من هذا الحدث الكبير الذي لولاه لكنا منكسرين حتى اليوم!؟

الغريب أن وزارة الثقافة التي لا تملك أي رؤية أو وعى بدورها، أقامت حفلا بمناسبة 30 سنة على إقامة مبنى الأوبرا، مناسبة ساذجة، لا أحد يحتفل بإقامة مبنى بعد 30 سنة، هناك اليوبيل الفضى (25 سنة) واليوبيل الذهبى (50 سنة) واليوبيل الماسى (75 سنة) القرن (100 سنة )، أنه اختراع ساذج خاصة أنه تجاهل أن عمر الأوبرا المصرية تجاوز 125 سنة وليس معنى احتراق المبنى القديم هو محو تاريخ الأوبرا المصرية..

لماذا لا تتواصل وزارة الثقافة مع المواطن وهى تملك أكثر من ألف موقع يمكن تقديم فيه فعاليات ثقافية جادة، بدلا من حالة الفقر الشديدة والإفلاس التي نراها اليوم، أما وزارة الشباب فيبدو أن كهنة الوزارة أقوى من أي وزير، وانشغل بالمبادرات التي قيمة لها مثل "يلا نجرى" و"دعوة للمشى" ومتابعة المنتخب في مباراته في نهائى كأس العالم سوازيلاند!

أما مراكز الشباب فلها ربنا، العجيب أن تتحول مراكز الشباب إلى فرق للكرة تتنافس على بطولة مراكز الشباب، وهذا يعنى أن الهدف من إقامة هذه المراكز لا تعرفه الوزارة نفسها!

ما أحوجنا اليوم "روح أكتوبر" من أجل مصر للمستقبل، هذه الروح لا تزال تسرى في دماء القوات المسلحة، ويتسلحون بها في حربهم ضد الإرهاب، ولكن نأمل أن تنتقل إلى مفاصل الدولة، إلى كل فرد من الشعب، لأنها أمل مصر للقضاء على كل أمراض المجتمع، على الفاشلين من المسئولين والمنافقين، ازرعوا في أرض مصر روح أكتوبر.. وتحيا مصر.
الجريدة الرسمية