رئيس التحرير
عصام كامل

تشويه كتب التراث


هل يتصور أحد أننا نمارس يوميا الافتراء والكذب على رسول الله؟! كيف؟! بترديد ما نعتقد أنه أحاديث، وأدعية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيس بوك"، و"واتس آب"، مع إضافة ما نظن أنه سيرغِّب الآخرين في العمل بها.. مثلا: "انشرها".. "من نشر هذا الكلام جزاه الله خيرا".. "اللهم من نشر هذه المقولة فارزقه ملء الأرض حسنات".. إلخ تلك الترهات التي لا يتورع ناشرو الأكاذيب وما ينسبونه إلى رسولنا العظيم عن ترديده!


"سماسرة الإسلام"، و"تجار التدين" يتاجرون باتهام من يطلبون إعمال العقل، وعرض متون الأحاديث على القرآن، منكرون للسنة النبوية الشريفة، ومتجرئون على المقدسات، ومنكرون للمعلوم من الدين بالضرورة!

لكن دعوني أحكي لكم واقعة بسيطة.. حججت عام 2001، فجمعتني الصدفة بحاج عراقي في الحرم المكي، قال لي بالحرف عبارة لم أستطع نسيانها رغم مرور كل تلك السنين: "والله العظيم لقد رأيت بعيني رأسي وقرأت في طبعة لصحيح البخاري هنا في مكتبة الحرم المكي حديثًا جاء فيه: "يا عائشة تنام عيني ولا ينام قلبي"، وفي عام تالٍ حججت وبالصدفة بحثت عن الكتاب فوجدت طبعة جديدة، وإذا بالحديث قد تغير إلى "يا عائشة تنام عيني"، فقط، فقد حذف باقي المتن "ولا ينام قلبي"!

هذه الواقعة، وإن كان البعض يراها بسيطة، فإنها شديدة الدلالة على إمكان التحريف في الطبعات المتتالية من الكتب.. ومن هنا فإن الدعوة إلى تنقية كتب التراث، لا تعني التشكيك في صحة ودقة السنة النبوية، وقدسيتها، ولا تعني الطعن في ذمم أئمة الحديث الشريف كالبخاري ومسلم، وابن حنبل، وغيرهم.

والآن، اسمحوا لي بمناقشة مدى معقولية تفرد "أبو هريرة"، و"عبد الله بن عباس" برواية الآلاف من الأحاديث الشريفة.. أولًا؛ أبو هريرة حطم الرقم القياسي برواية (5374) حديثًا، كل هذا رغم أنه صحب النبي لمدة عامين فقط !

وأتمنى أن يفند العلماء هذه الرواية التي تتهم "أبا هريرة" في أمانته، ونزاهته: "استعمل عمر بن الخطاب أبا هريرة (ولاه على البحرين)، فقَدِمَ بمالٍ فقال: من أين لك هذا؟ قال: تناتجت الخيول، وتلاحقت الهدايا، فقال عمر: أي عدو الله هلا قعدت في بيتك فنظرت أيهدي إليك أم لا؟! وأخذ ذلك منه، وجعله في بيت المال".

هذا الخبر أخرجه القاسم بن سلام في كتابه «الأموال» (572)، وابن زنجويه (775) من طريق معاذ بن معاذ عن ابن عون عن ابن سيرين قال: لَمَّا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ، أَسَرَقْتَ مَالَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَسْتُ بِعَدُوِّ اللَّـهِ وَلَا عَدُوِّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا، وَلَمْ أَسْرِقْ مَالَ اللَّـِه.
قَالَ: فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ اجْتَمَعَتْ لَكَ عَشَرَةُ آلَافٍ؟ قَالَ: خَيْلِي تَنَاسَلَتْ وَعَطَائِي تَلَاحَقَ وَسِهَامِي تَلَاحَقَتْ، فَقَبَضَهَا مِنْهُ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَمَّا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ اسْتَغْفَرْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.

وليدلني أحد من العالمين بمدى صحة تهديد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، له إن عاد لرواية الحديث، قائلًا له: "والله لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس (موطن أبو هريرة)"، ويقال إنه بعد اغتيال سيدنا عمر استقطبه معاوية بن أبي سفيان وأسكنه قصره في دمشق، والمقابل أحاديث، حسب الطلب، تدعم سياسات معاوية في حروبه ضد خصومه خاصة علي بن أبي طالب.

الأكثر غرابة أن يروي عبد الله بن عباس (1660) حديثًا سمعها من فم النبي بلا وسيط، مع العلم أن ابن عباس كان في العاشرة عندما انتقل النبي إلى بارئه!




الجريدة الرسمية